كورونا يحافظ على قوّته

كورونا يحافظ على قوّته

02 يونيو 2020
التباعد الجسدي يبقى أساسياً (جوني كريسوانتو/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال اهتمام الناس يتركّز على الأرقام التي تسجّلها عدّادت كورونا وكذلك على آخر المعطيات في هذا السياق، على الرغم من أنّ كثيرين بدأوا يستعيدون حياتهم الطبيعية، إلى حدّ ما، مع تخفيف التدابير المتخذة في إطار عمليات مكافحة فيروس كورونا الجديد في بلدان كثيرة. في حين سُجّلت نحو ثلاثة ملايين حالة تعافٍ في العالم من أصل نحو ستّة ملايين و400 ألف إصابة بفيروس كورونا الجديد إلى جانب نحو 380 ألف وفاة، أفادت منظمة الصحة العالمية بأنّ لا دليل على تغيّر حدّة الفيروس بحسب ما يُشاع، كذلك حذّرت من استخدام المضادات الحيوية في سياق متصل.

وقد أوضح خبراء في منظمة الصحة العالمية وعدد من العلماء الآخرين أنّه لا يتوفّر أيّ دليل يدعم ما صرّح به طبيب إيطالي بارز قبل أيام بأنّ فيروس كورونا الجديد الذي يتسبّب في مرض كوفيد - 19 بدأ يفقد قوّته. وكان البروفسور ألبرتو زانجريلو، رئيس العناية المركزة في مستشفى سان رفاييل في ميلانو الواقعة في منطقة لومباردي بالشمال الإيطالي الذي تحمّل العبء الأكبر لتفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد، قد قال للتلفزيون الرسمي الإيطالي إنّ الفيروس "لم يعد موجوداً إكلينيكيا" في إيطاليا. لكنّ المتخصصة في علم الأوبئة في منظمة الصحة العالمية ماريا فان كيرخوفي وعدداً من الخبراء الآخرين في علم الفيروسات والأمراض المعدية قالوا إنّ تصريحات زانجريلو غير مدعومة بأدلّة علمية، شارحين أنّ لا بيانات تظهر تغيّر فيروس كورونا الجديد بشكل كبير سواء في طريقة انتقاله أو لجهة شدّة المرض الذي يتسبّب فيه. وشدّدت فان كيرخوفي في تصريحات صحافية على أنّ "أيّ تغيير لم يحدث في ما يتعلق بإمكانية انتقاله، ولجهة شدّته لم يحدث تغيير". يُذكر أنّه من المعتاد أن تتحوّر الفيروسات وتتأقلم مع محيطها وهي تنتشر، في حين يُبرز النقاش الحاصل كيف يرصد العلماء الفيروس الجديد ويتتبعونه.

وفي هذا الإطار، قال مارتن هيبرد وهو أستاذ الأمراض المعدية الناشئة في كلية لندن للنظافة والطب الاستوائي، إنّ الدراسات الكبيرة التي تبحث في التغيّرات الجينية في الفيروس الجديد لا تدعم بأيّ شكل فكرة أنّه يضعف، شارحاً لوكالة "رويترز" أنّه "بوجود بيانات من أكثر من 35 ألف مجموعة جينية فيروسية كاملة لا يوجد دليل حالياً على فارق يتعلّق بالحدّة". لكن زانجريلو المعروف في إيطاليا بأنّه طبيب رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، يشدّد على أنّ ما صرّح به مدعوم بدراسة أعدّها زميله العالم ماسيمو كليمنتي من المتوقّع نشرها الأسبوع المقبل. وأوضح زانجريلو في اتصال مع "رويترز": "لم نقل قطّ إنّ الفيروس تغيّر، بل قلنا إنّ التفاعل بين الفيروس وحامله تغيّر بالتأكيد". أضاف أنّ "ذلك قد يكون بسبب الخصائص المختلفة للفيروس التي لم تُحدَّد حتى الآن أو الخصائص المختلفة للذين أصيبوا به". ودراسة كليمنتي الذي يشغل منصب مدير مختبر الأحياء المجهري والفيروسي في مستشفى سان رفاييل، تقارن ما بين عيّنات فيروسية من مصابين في المستشفى في مارس/ آذار الماضي وأخرى من مصابين في مايو/ أيار الماضي. وأكّد زانجريلو أنّ "النتيجة أتت خالية من الغموض، إذ كان الفرق كبيراً جداً بين المسحات". أمّا أوسكار ماكلين وهو خبير في مركز البحوث الفيروسية في جامعة غلاسكو الاسكتلندية فأشار لـ"رويترز" إلى أنّ الافتراضات القائلة بأنّ الفيروس يضعف "غير مدعومة بأيّ من الأدبيات العلمية وتبدو كذلك غير قابلة للتصديق على أسس جينية".

الوقاية التامة ضرورية للعاملين الصحيين (سيرغي غابون/ فرانس برس)

من جهة أخرى، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنّ استخدام المضادات الحيوية بطريقة غير مناسبة في خلال مكافحة فيروس كورونا الجديد سيؤدّي في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدّلات المقاومة البكتيرية التي ستؤثّر في زيادة أعباء المرض والوفيات في أثناء الجائحة وما بعدها. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحافي إنّ "عدداً مقلقاً" من العدوى البكتيرية صار أكثر مقاومة للأدوية المستخدمة تقليدياً في علاجها"، إذ إنّ "جائحة كورونا أدّت إلى زيادة استخدام المضادات الحيوية". وشدّدت المنظمة على أنّ نسبة صغيرة فقط من المرضى في حاجة إلى مضادات حيوية لعلاج الالتهابات البكتيرية التي تظهر إثر الإصابة بالفيروس. وقد أصدرت بالتالي إرشادات للأطباء بعدم علاج مرضى كورونا الذين تظهر عليهم أعراض معتدلة بالمضادات الحيوية أو بالعلاج الوقائي من دون اشتباه إكلينيكي بالعدوى البكتيرية.

وتطرّقت المنظمة كذلك إلى الأمراض غير المعدية في ظلّ الجائحة التي أثّرت على تدابير الوقاية منها وعلاجها، بحسب ما خلص إليه مسح شمل 155 دولة. وأشارت إلى أنّ "هذا الوضع يثير قلقاً كبيراً لأنّ المصابين بالأمراض غير المعدية (أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان وغيرها) هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض خطيرة والموت عندما تنتقل إليهم عدوى كورونا". يُذكر أنّ المسح الذي أجري على مدى ثلاثة أسابيع في مايو/ أيار الماضي، بيّن أنّ الدول ذات الدخل المنخفض هي الأكثر تضرراً.



كذلك حذّرت المنظمة من مخاطر التجمّعات الجماهيرية مع احتدام الاحتجاجات في الولايات المتحدة الأميركية وأماكن أخرى على خلفية مقتل جورج فلويد ومع بدء تنظيم الفعاليات الرياضية. وأوضح غيبريسوس أنّ "التجمعات الجماهيرية قد تكون أحداثاً تتيح الانتشار الفائق" للفيروس. من جهتها، قالت فان كيرخوف إنّ "زيادة الاختلاط الاجتماعي وتجمّع الناس، لا سيّما في المناطق حيث لا يكون الفيروس تحت السيطرة، قد تشكّل خطراً". أضافت أنّ الذين يخطّطون لتنظيم أحداث جماهيرية يجب أن يجروا "تقييماً جدياً ودقيقاً للمخاطر"، مشدّدة على أنّ "التباعد الجسدي يبقى مهماً جداً للسيطرة على انتقال الفيروس واجتثاثه".

المساهمون