ندي حكيم أنصفته بريطانيا

ندي حكيم أنصفته بريطانيا

19 ديسمبر 2015
الطبيب الجراح ندي حكيم في مكتبه في لندن
+ الخط -


"تهمة واحدة كانت كفيلة بإلغاء مجهود وإنجازات سنين من العمر". لكن مئات الذين أنقذ حياتهم، شكّلوا دعماً للطبيب الجراح ندي حكيم خلال محنته التي انتهت عندما أنصفه القضاء البريطاني.

لمع اسم الطبيب اللبناني ندي حكيم المتخصّص في زرع الأعضاء في العالم، ليرفع معه اسم لبنان بعد إجرائه أوّل عملية زرع بنكرياس في بريطانيا ومشاركته فريق أطبّاء لزرع أوّل يد في العالم، بالإضافة إلى إنجازات عديدة مميّزة في عالم الطب. لكنّ وطنه الأم ما لبث أن تخلّى عنه مع أوّل عثرة صادفته في حياته المهنية. وبدلاً من أن يلقى الدعم من أبناء شعبه في محنته، فوجئ باصطفافهم ضدّه وإسراعهم إلى إلغاء محاضرات وجوائز كانت مخصّصة له.

وكان حكيم قد غادر لبنان وهو في السادسة عشرة من عمره بعدما اختبر مرارة الحرب الأهلية فيه، وأكمل دراسته الثانوية والجامعية في الطبّ في العاصمة الفرنسية باريس. ويشير حكيم لـ "العربي الجديد" إلى أنّ الفرنسيين دعموا اللبنانيين بشكل كبير، خصوصاً في فتح مجال الدراسة المجانية أمام الجميع. بعد تخرّجه في عام 1983، انتقل إلى العاصمة البريطانية لندن ليبدأ بدراسة الجراحة قبل أن ينتقل في عام 1987 إلى الولايات المتحدة الأميركية ويستكمل دراسته على مدى ست سنوات. وفي عام 1995، عاد إلى بريطانيا ليبدأ العمل في مستشفى سانت ماري في هامرسميث، حيث أجرى أوّل عملية زرع بنكرياس في البلاد، في 31 يناير/كانون الثاني 1995. "هو يوم لن أنساه طالما حييت". ومنذ ذلك الحين، اشتهر بعمليات زرع البنكرياس التي تساعد على الشفاء من مرض السكري. ولغاية اليوم، أجرى 426 عملية من هذا النوع.

عام 1998 كان أيضاً محطّة هامة في مسيرته المهنية، إذ شارك حكيم في زرع أوّل يد في العالم مع فريق طبي من ثمانية اختصاصيين. وفي عام 2001، أجرى عملية مماثلة وهذه المرة ليدَين اثنتَين، كانت أيضاً الأولى من نوعها في العالم، وقد شكّلت خطوة نوعية في عالم الطب.

والطبيب الجراح الذي ألّف 23 كتاباً جامعياً حول البنكرياس يُدرَّس بعضها في جامعة أوكسفورد، يشير إلى أنّه لو بقي في لبنان، لكانت استحالت عليه البحوث والإنجازات التي حقّقها في الخارج نظراً لنقص الدعم.

وفي قضيّة أثارت أخيراً جدالاً كبيراً، قبل أن تنصفه المحاكم البريطانيّة، وجّه مستشفى إمبريال كوليدج الذي يدير مستشفى هامرسميث التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية حيث يعمل حكيم، تهماً له تقول بأنه عمد إلى تأجيل عملية زرع بنكرياس في القطاع العام لامرأة مانحاً الأولوية لمريض في القطاع الخاص. وقد أوقف عن العمل في سبتمبر/أيلول 2014، قبل أن يُطرد من المستشفى في فبراير/شباط 2015.

يوضح حكيم ما جرى لـ "العربي الجديد"، قائلاً إنّه كان قد حدّد إجراء عملية زرع كلية في مستشفى خاص قبل عشرة أيّام من موعدها، "وأمّنت بديلاً عنّي في المستشفى من الساعة الثامنة صباحاً لغاية الثانية من بعد الظهر. وصل المريض وشقيقه المتبرّع بالكلية قبل يوم واحد من موعد الجراحة". يضيف: "قبل ساعات من موعد العمليّة، تبرّع أحدهم ببنكرياس لمريضة كانت تحتاج إلى زرع كلية وبنكرياس. وبما أنّي كنت ملتزماً بعملية أخرى، طلبت إجراء عملية زرع الكلية للمرأة تحت مراقبة الطبيب المناوب، على أن أزرع البنكرياس بعدها". يؤكّد حكيم أن "أحداً لم يتأذّ من المرضى، ونجحت العمليتان". لكن الطبيب المناوب جيريمي كرين اتّهمه "بتأجيل عملية زرع البنكرياس الذي كاد يتلف لبقائه في التبريد 25 ساعة، بهدف كسب المال من عملية في القطاع الخاص". حينها، ردّ حكيم على تلك الادعاءات شارحاً أنّ مسؤولية تأخير البنكرياس لا تقع على عاتقه، إذ أحضر من منطقة بعيدة. وهو لم يؤجّل زرعه إلا أربع ساعات ونصف الساعة، وهو الوقت الذي استلزمه الأطباء الآخرون لزرع الكلية للمريضة.

تجدر الإشارة إلى أن التهم لم توجّه إلى حكيم مباشرة بعد عمليّة الزرع موضوع الجدال، وهو ما يدلّ على نيّة للإساءة إليه. الجراحة أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، لكنّه أوقف عن العمل في المستشفى في سبتمبر/ أيلول 2014. ويشير هنا حكيم إلى أنّ "الأسباب شخصية أكثر مما هي مسألة مهنية. وهذا ما خلصت إليه المحكمة حين اتخذت قرارها بالبراءة".

وعن عودته إلى العمل في المستشفى التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، يقول حكيم إنّ قرار المحكمة ينصّ على ذلك، لكن في حال رفض القيّمون تُفرض عليهم تعويضات كبيرة. ويلفت هنا إلى أنّ عملية زرع البنكرياس لا يمكن إجراؤها في القطاع الخاص، بل حصراً في مؤسسات هيئة الخدمات الصحية الوطنية. لذا تعنيه العودة. إلى ذلك، ما إن ربح القضية، حتى راح القيّمون على المستشفيات والعيادات التي كان يمارس فيها، يتصلون به طالبين منه العودة.

بانفعال وغضب، يتحدّث حكيم عن الثمن الباهظ الذي دفعه من جرّاء تلك التّهم، التي خلفت خسائر لا تعد ولا تحصى ومنها خسارة مصدر دخله الرئيسي. يضيف: "أما الأهم فهو تشويه سمعتي. وقد نتج عن ذلك إلغاء محاضرات لي وتجميد منح في بلدان عديدة، بالإضافة إلى تجميد منصبه نائباً للرئيس في الجمعية الملكية للطب". ويتابع أنّ "الأصعب بالنسبة إلي كان إلغاء دعوة وُجّهت إليّ لإلقاء كلمة في إحدى الجامعات اللبنانية في حفل تخريج طلابها. وقد اعتذر مدير الجامعة مني عن استقبالي، بسبب ما قرأوه في الصحف".


المساهمون