الشهيد أبو خروب.. حين يحدّد المحتل شروط الدفن والعزاء

الشهيد أبو خروب.. حين يحدّد المحتل شروط الدفن والعزاء

24 اغسطس 2016
الشهيد الفلسطيني عبد المالك أبو خروب (تويتر)
+ الخط -


على نحو مفاجئ وخلافا لما اتفق عليه، أضافت استخبارات الاحتلال الإسرائيلي شرطا جديدا على عائلة الشهيد عبد المالك أبو خروب، والذي شيع جثمانه إلى مثواه الأخير فجر الاثنين، في مقبرة المجاهدين بمنطقة باب الساهرة بالقدس المحتلة، إذ اشترطت على العائلة بعد التشييع والدفن عدم الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام.

انصاعت عائلة أبو خروب للشرط حرصا منها على أن لا يخل الاحتلال بتعهداته بتسليم جثامين باقي الشهداء المقدسيين، حسب ما أكد لـ"العربي الجديد"، أحد أخوال الشهيد، الذي ناشد وسائل الإعلام عدم إجراء أي مقابلة مع العائلة، خصوصاً والده الذي بدا في حالة إعياء وتعب شديدين.

واستشهد عبد المالك برصاص قوات الاحتلال في التاسع من مارس/آذار الماضي، واستشهد معه رفيقه محمد الكالوتي الذي سبقه إلى التشييع والدفن قبل أسبوع.
وروى خال الشهيد لـ"العربي الجديد"، لحظات مؤثرة من وداع الأب لابنه، وقد لامس جبهته، بينما كان الجليد لا يزال على أجزاء من جسده، حيث اضطر المشيعون أن يبعدوا الوالد عن جثمان ولده بعدما أصر على الالتصاق به وشرع يجهش بالبكاء، في حين كان باقي أفراد العائلة يشيحون بأنظارهم عن الوالد، أو يشدون من أزره.

أما والدة الشهيد، التي اصطحبتها نساء العائلة، فلم تتمالك نفسها، وهي تلقي نظرة الوداع على نجلها، فأغمي عليها كما قالت لنا ابنة عمة الشهيد، التي استوقفها جنود الاحتلال قبل أن يسمحوا لها بالمرور في شارع صلاح الدين في مدينة القدس، والذي تحول إلى ثكنة عسكرية، في حين طرد الجنود حارس المقبرة وهو رجل مسن في مستهل الستينيات من عمره.



وعاد جثمان الشهيد عبد المالك أبو خروب، بحسب خاله، من الأسر في ثلاجة الموتى ليحتضنه تراب مدينته، وعلى الجسد بقايا من دم ورصاص وجليد من أثر التجميد. بالنسبة للعائلة فالشهور الخمسة التي ظل فيها جسد الشهيد محتجزا في ثلاجات الموتى، كانت تعادل خمسين سنة، وخلال ذلك كانت آمال العائلة أكثر تعلقا من يوم إلى آخر باسترداد جثمانه لدفنه وتشييعه كما يليق بالشهداء.

بيد أن ذلك لم يتحقق كله للعائلة، كما لم يتحقق لعائلة رفيقه محمد الكالوتي التي حرمت هي الأخرى من أن تقيم لولدها مراسم الدفن والتشييع الملائمة، فكان دفن الشهيدين بحضور خمسة وعشرين فردا من أفراد كل عائلة فقط.

الدفن في مقبرة المجاهدين، كما قال خال عبد المالك، هو شرف للشهيد ولعائلته، فالمقبرة التي تتوسط شارع صلاح الدين، واحدة من أشهر المقابر الإسلامية في القدس، حيث تحتضن رفات كثير من المجاهدين والعلماء والأمراء، ممن ارتقوا دفاعا عن المدينة المقدسة في الحروب الصليبية، وفي العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

وإذا كان الحصار قد ضرب على جنازة الشهيدين أبو خروب والكالوتي، فذات الحصار فرض على وسائل الإعلام التي لم تتمكن من الوصول إلى المقبرة، حيث ووريت جثامين الشهداء، والشيء ذاته فرض على عائلتي الشهيدين اللتين منعتا من تغطية التشييع بصور للذكرى، فاحتجز الاحتلال أجهزتهم الخلوية ولم يسمح لهم بالتصوير.

ومنع الاحتلال القيادي الفتحاوي المقدسي، ورئيس نادي الأسير الفلسطيني، ناصر قوس، من الوصول إلى المقبرة مع عشرات من شبان البلدة القديمة للتضامن مع عائلة أبو خروب وشد أزرها، وحين أراد قوس الحديث مع عائلة الشهيد اعتذرت منه العائلة، لأن الاحتلال حظر عليها الحديث بعد التشييع والدفن.

وتابع عناصر مخابرات الاحتلال أفراد العائلة في زقاق قريب من مبنى البريد المركزي في شارع صلاح الدين ليتأكدوا أن العائلة التزمت شروط الدفن، حيث حدث ذلك، أمام مرأى قوس ومن معه، وسط تجاذبات مع جنود الاحتلال الذين تدافعوا نحو حشد المواطنين ودفعوهم إلى الوراء.

يقول قوس لـ"العربي الجديد: "مثل هذا لم يحدث من قبل، أن تمنع العائلة من مخاطبة وسائل الإعلام بعد دفن فقيدها، وأن تحدد شروط للدفن؟ هذا لا يحدث إلا من الاحتلال الإسرائيلي".



كان فجرا مقدسيا معطرا برائحة الشهيد أبو خروب من حي كفر عقب شمال القدس المحتلة، هدأت فيه نفوس عائلته؛ لكن جرحا انفتح من جديد، حيث أقارب ثلاثة عشر شهيدا، بينهم أربعة مقدسيين، ما زالت تنتظر التحرر من أسر الثلاجات منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، على رأسهم ثائر أبو غزالة وبهاء عليان.

على صفحته في موقع "فيسبوك"، كتب والد الشهيد بهاء: "لو كان للبشر قلب حمامة. لو كان لهم ظل شجرة. لما كنت الآن في الصقيع. ترى على أي حال هو جسدك يا بهاء بعد 315 يوما في ثلاجات الاحتلال؟ وأي اشتياق تكنه لك الأرض أنت ورفاقك؟ أي وجع في قلب أب ينتظر استلام ابنه في قالب ثلج؟".

وتابع: "وكم من دمعة في عين أم لم تذرف بعد؟ كم من حصاة ألقاها أبو البهاء في بركة راكدة علنا نتحرك؟ وكم من دقة طبل طرقها علنا نسمع؟ كم شعار في الميادين رفع علنا نحس؟ كم من حلم وأمل ويد ممدودة علنا نمسك بها؟ لكننا أموات. ولا عزاء لنا على الأرض. فقط هم الأحياء في الثلاجات. فقط هم من يستحقون حضن الأرض".