"ودّ أبرق" يزاحم القطط والكلاب الضالّة

"ودّ أبرق" يزاحم القطط والكلاب الضالّة

19 اغسطس 2016
حتى المراتع القديمة لم تعد كما كانت (Getty)
+ الخط -
"ودّ أبرق" من عصافير الدوري البلدي المعروفة في أماكن عديدة. لم يكن يجد حَرجاً في مشاركة الناس مساكنهم في معظم الأرياف السودانية. يبني مع أنثاه المعروفة باسم "شوشة" أعشاشاً هشة في السقوف الخشبية، أو بين تجاويف الطين اللبن أعلى الغرف. ويمضي نهاره متقافزاً هنا وهناك من دون أن يسبب أضراراً تذكر، يلتقط غذاءه كيفما اتفق، إذ لا فرق لديه بين الحبوب، وكسرات الخبز، والحشرات، والديدان الصغيرة.

لكنّ تحوّلات كبيرة اعترت حياة "ودّ أبرق"، مثلما حدث لطيور جزيرة غالاباغوس التي زارها العالم البريطاني تشارلز داروين عام 1835 فأوحت إليه بوضع كتابه الشهير "أصل الأنواع" عام 1859، إذ اكتشف العلماء للمرة الأولى تحولاً شاملاً في نمط تغذية الطيور ضمن مجموعة كبيرة من الكائنات في المملكة الحيوانية. وقد راقب فريق من العلماء، على رأسهم خبراء من إسبانيا، 19 من بين 23 نوعاً من الطيور البرية في الجزيرة، وهي تتنقل بين الأزهار لامتصاص الرحيق والاغتذاء على حبوب اللقاح. يبدو أنّ السبب وراء ذلك هو أنّ غذاءها المفضل من الحبوب أو الحشرات بات شحيحاً.

وجاء في دورية "نايتشر كومينيكيشنز": "وسّع مجتمع الطيور بأسره من دائرة غذائه المفضّل ليضم إليها الزهور. وقد رصدت هذه الظاهرة من قبل لدى نوع معيّن، لكن ليس لدى مجتمع في أسره".

اجتاحت مظاهر المدنية معظم البيوت الريفية، فتحولت السقوف الخشبية إلى سقوف إسمنتية أو حديدية لا قبل لـ"ودّ أبرق" بتحمل حرارتها، ولا هي قابلة لتحمل وجود أعشاش القش الهشة تلك. كذلك، فإنّ أرضيات معظم الغرف باتت مغطاة بالفرش القطنية أو البلاستيكية، أو البلاط والسيراميك. حتى المراتع القديمة في الشوارع وفناءات البيوت لم تعد كما كانت.

تتسارع عملية التغيير في حياتنا المعاصرة، وتحدث التحولات كلّ يوم، بيد أنّ البعض يتصدى لها حتى لا يكون ضحية لها، وقد يحقق نجاحاً، أو فشلاً. كما أنّ البعض استطاع أن يتأقلم ويتكيف مع الواقع الجديد مستفيداً من التغيرات. أما الغالبية العظمى فقد أُجبرت على التكيف مع ما اعترى بيئتها من تحولات. "ودّ أبرق" من بين هؤلاء. يمكنك اليوم مشاهدته يبحث عن غذائه بين أكوام القمامة مزاحماً القطط والكلاب الضالة، أو يرتاح فوق أسلاك الكهرباء، والأسلاك الشائكة على الجدران العالية. غابت شقشقته الحميمة وسط ضجيج السيارات وهدير الماكينات. كما انشغل عن مراقبته ومداعبته حتى الأطفال الصغار الذين جذبتهم الشاشات الكبيرة والصغيرة، فالتهوا عنه وعن كلّ ما يجري من حولهم بسببها.

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون