التعليم الجامعي عن بُعد في تركيا... الطلاب لن يُظلموا

التعليم الجامعي عن بُعد في تركيا... الطلاب لن يُظلموا وسط كورونا

29 ابريل 2020
حصّة بالبثّ المباشر (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يوفّر الوباء العالمي الجديد أيّ قطاع إلا وطاوله في كلّ بقاع الأرض، ولعلّ التعليم بمستوياته المختلفة وعلى وجه الخصوص التعليم العالي من القطاعات التي تأثّرت بشكل مباشر. فقد أغلقت الجامعات وصار الخيار شبه الوحيد اللجوء إلى التعليم الإلكتروني أو ما يعرف بالتعليم عن بعد. وتُعَدّ تركيا واحدة من الدول التي وفّرت ذلك، ففي الثالث والعشرين من مارس/ آذار الماضي أتاحت فرصة متابعة التعليم بالطريقة الإلكترونية التي لاقت قبولاً من قبل طلاب، فيما رفضها آخرون قائلين إنّها لا تفي بالغرض ومن الصعب الحصول على المعلومة المطلوبة بهذه الطريقة. لكنّ ثمّة خياراً آخر يتيح للطالب الراغب في ذلك تجميد قيده حين تصير الظروف ملائمة.

واليوم، بالتزامن مع الامتحانات التي انطلقت أخيراً، وفي ظلّ عدم قدرة جميع الطلاب على متابعة الدروس كلها، يواجه الطلاب تحدياً مختلفاً وسط أزمة كورونا. فالامتحانات تختلف عن سابقاتها. ويعبّر مصطفى نعيمي، طالب في كلية هندسة معادن ومواد في جامعة غازي عنتاب، تخوّفه من الرسوب. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا الآن في السنة ما قبل الأخيرة، وهذه المرّة الأولى التي نخوض فيها امتحانات بهذا الشكل. طريقة التعامل مع الأسئلة مختلفة، وبعد انتهاء الامتحانات ستوضح النتائج إن كنّا قادرين على الاستمرار بهذه الطريقة أو لا". يضيف مصطفى: "أتيحت لنا فرصة وقف تسجيلنا وتجميد القيد لهذا الفصل الدراسي، لكنّني فضّلت الاستمرار. أنا لا أطيق الانتظار للحصول على الشهادة الجامعية والدخول في سوق العمل. بالتأكيد نواجه صعوبات عديدة اليوم، لكن ما من خيار آخر".

من جهته، يقول محمد إحسان وهو طالب في كلية العلوم في الجامعة نفسها، لـ"العربي الجديد": "لم أستطع متابعة كلّ الدروس لأنّني لا أملك حاسوباً. حضرت ما استطعت منها لكنّ ذلك ليس كافياً. لا أظنّ أنّني سأتجاوز الامتحانات بنجاح هذا الفصل، على الرغم من طمأنة المدرّسين بأنّهم سيساعدون الطلاب قدر المستطاع". ويشير إلى "طلاب أعرفهم لا قدرة لديهم على متابعة الدروس إلكترونياً، بالتالي تضرّروا من خيار التعليم الافتراضي الذي فرضه فيروس كورونا".

على الرغم من العراقيل التي تقف في وجه الطلاب والأساتذة على حدّ سواء في نهج الطريق الافتراضي للتعليم، فإنّه لا مفرّ منه. وفي هذا الإطار، يقول رئيس جامعة غازي عنتاب البروفسور علي غور لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد تضرّر طلاب لا يملكون ما يعينهم على التعلّم عن بعد، لكنّ نسبة هؤلاء قليلة، وليس منطقياً حرمان 90 في المائة من الطلاب بسبب هؤلاء". ويشير إلى أنّ "الظروف الراهنة فُرضت علينا ولسنا نحن من اختارها. وكورونا هاجس يؤرّق نحو ستة ملايين ونصف مليون طالب وطالبة في الجامعات التركية، والجميع يمرّ بظروف صعبة. الامتحانات بدأت وسننتظر لنرى نتائج ما عملنا عليه في خلال الفترة الماضية".



ويؤكّد غور أنّه "على الرغم من الانتقادات الموجّهة إلى تجربة التعليم عن بعد ووصفه بأنّه من دون فائدة، فإنّه يبقى الخيار الأفضل من الانتظار. فما من طالب يرغب في إضاعة وقته والتخرّج من الجامعة في وقت متأخر، ولهذا السبب ورغبة منها في مواكبة تطورات الأوضاع لجأت تركيا، لا سيّما جامعة غازي عنتاب، إلى التعليم الإلكتروني، وأنشأت نظاماً خاصاً بها وعملت على مساعدة الطلاب في التأقلم مع الظرف الحالي. واستحدثت قسماً للاستعلامات في ما يخصّ المشكلات التقنية التي تواجه الطلاب مع النظام الجديد، وذلك باللغات الثلاث التركية والإنكليزية والعربية". يضيف غور: "لدينا في جامعة غازي عنتاب كتلة كبيرة من الطلاب الأجانب والنسبة الأكبر من السوريين، ونرى في ذلك مصدر قوة لنا. ولأنّهم يدرسون بلغة أجنبية أي اللغة التركية، نعمل على تقديم التسهيلات لهم وتخفيف العقبات أمامهم كي يتمكّنوا من متابعة تعليمهم". ويلفت إلى أنّ الكليات والمعاهد التابعة لجامعة غازي عنتاب والتي أنشئت في ريفَي حلب الشمالي والشرقي والتي تستقبل 738 طالباً، تخضع للقرارات نفسها التي أُصدرت بخصوص التعليم عن بعد. وقد خصّصت الجامعة عدداً من كوادرها لحلّ المشكلات التي تواجه الطلاب هناك".

ومن جهته، يقول رئيس قسم التاريخ في جامعة غازي عنتاب الدكتور يونس إمرة تانسو لـ "العربي الجديد": "نعمل قدر المستطاع على إيصال الفكرة للطالب بأبسط صورة في خلال مدّة زمنية قصيرة. فمدّة الدرس الواحد لا تتجاوز 45 دقيقة، ويجب على الأستاذ في خلالها شرح الدرس كاملاً والإجابة على استفسارات الطلاب. وهذا يجعل مهمّة الأستاذ أصعب من السابق، حينما كنّا نملك ساعة ونصف الساعة، أي ضعفَي المدّة الزمنية". يضيف تانسو أنّ "الطالب لن يكون ملزَماً بحضور الدرس المباشر كما في السابق، فالقرار الصادر ينصّ على أنّه لن يرسب في حال عدم قدرته على متابعة الدرس في أثناء بثّه المحدّد. وهذا يسهّل عليه الأمر ويتيح له مشاهدة الحصّة في الوقت الذي يناسبه". ويتابع تانسو أنّه "لا يتوجّب على الطلاب أن يشعروا بأنّهم في وضع حرج وأنّه عليهم التأقلم مع الوضع الراهن ومتابعة الدروس كما في الماضي. فالكوادر الإدارية والأساتذة يعملون جاهدين لحصول كلّ طالب على حقّه. ولن يُظلم أحد في هذه الفترة، فجميعنا ندرك الظروف الراهنة الصعبة".

إذاً، يواجه الطلاب في ظلّ الأوضاع الراهنة تحديات كبيرة في مواجهة فيروس كورونا، ويتوجب عليهم التأقلم بسرعة أو سيجدون أنفسهم غير قادرين على المتابعة ويخسرون فصلاً دراسياً أو أكثر. ومن أبرز العقبات التقنية التي تواجه الطلاب، بعد توفّر الكهرباء والإنترنت، الموقع الإلكتروني الخاص بالجامعة التي يتابع كلّ واحد منهم دراسته فيها. فالمواقع هذه لم تكن مخصصة لاستيعاب آلاف الزيارات في الوقت ذاته، غير أنّها اليوم وفي اللحظة عينها تقدّم دروساً لعشرات آلاف الطلاب، بالتالي فإنّ توقّفها عن العمل أمر طبيعي.



يقول الدكتور أيهن دمير وهو المدير التنفيذي لشركة "ليبرات" التركية، مالكة أحد المواقع التي تعمل بها جامعات عدّة في تركيا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نظام التعليم الإلكتروني في الجامعات في تركيا يعمل على مرحلتَين: الأولى بثّ مباشر للدروس في أوقات يحدّدها أستاذ المادة، والثانية تقييد الدرس على الموقع لإتاحة مجال مشاهدته في وقت لاحق في حال لم يستطع الطالب حضور الدرس المباشر. وهذا يخفّف من وطأة توقّف الموقع عند دخول عدد كبير من الطلاب في الوقت عينه". يضيف أنّ "جامعات عدّة تعمل بشكل مستمر على متابعة التعلّم عن بعد وحلّ العقبات التي تواجه الطلاب، وتوقّف الموقع في بعض الأوقات أمر طبيعي. فما من دولة تملك بنية تحتية قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من الطلاب. اليوم في تركيا، نحو ستة ملايين ونصف مليون طالب جامعي يتلقون الدروس عن بعد وهذا ليس بعدد قليل". ويشير إلى أنّ "الموقع الذي عملت شركتهم على إطلاقه بلغات عدّة مثل الإنكليزية والعربية والألمانية إلى جانب اللغة التركية، إنّما الهدف منه تسهيل عملية استخدامه من قبل الطلاب الأجانب الذين لا يتكلمون اللغة التركية".

دلالات

المساهمون