أطباء بشهادات مزوّرة في السعوديّة

أطباء بشهادات مزوّرة في السعوديّة

26 ديسمبر 2016
49 % من العمالة الوافدة زوّروا شهاداتهم(محمد الشيخ/فرانس برس)
+ الخط -
كثيراً ما تُغري الرواتب الجيّدة التي يتقاضاها الأطباء في السعودية الشباب باختيار هذا المجال، ولا يُمانع البعض شراء شهادات مزورة. هؤلاء يرون أنّ قراءة الكتب الطبية قد تكون كافية لتعويض الشهادة، خصوصاً وأن وزارة الصحة لم تكن تدقّق في الشهادات، أو تُخضع الأطباء لأية اختبارات، وإن كان هذا الواقع قد تغيّر اليوم.

في بداية العام 2013، بدأت الهيئة السعودية للتخصّصات الصحية في التأكد من مصدر شهادات الأطباء، الذين درسوا في الخارج، قبل منحهم الحق في مزاولة المهنة. وبحسب تقارير رسميّة للهيئة، فقد رصد برنامج التدقيق الإلزامي للوثائق العلمية والخبرات للممارسين الصحيين في السعودية، وبرنامج إعادة التدقيق للممارسين الصحيين في العالم في عام 2015، نحو 729 ممارساً طبياً بشهادات مزورة، منهم 277 ممارساً طبياً يعملون في القطاع الحكومي، و452 يعملون في القطاع الخاص. كذلك، كشفت 93 طبيباً يحملون شهادات خبرة مزورة.

وأدرجت الهيئة عدداً من الأطباء الممارسين في قائمة خليجية للممنوعين من العمل في القطاعات الصحية، ليصل عدد المدرجين من قبلها، وذلك منذ إطلاقها في ديسمبر/ كانون الأول في عام 2014، إلى نحو 3755 ممارساً طبياً. وتعمل الهيئة السعودية مع نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي. ويشار إلى رصد 15700 ممارس صحي ما زالوا يعملون رغم إدراجهم في قائمة الممنوعين من ممارسة المهن الصحية في السعودية.

ويتجاوز عدد الممارسين الصحيّين، الذين كانوا يعملون في البلاد بشهادات مزوّرة، العشرة آلاف. وبالإضافة إلى المزورين الذين كشفتهم الهيئة خلال السنوات الماضية، تمكنت هذا العام من كشف 3026 مزوراً في القطاع الحكومي، ونحو 6674 مزوراً في القطاع الخاص. وحذّرت الوزارة أصحاب المؤسّسات الصحية الخاصة من قبول أي طبيب قبل استكمال إجراءات التقديم لـ "بطاقة التصنيف المهني" من الهيئة السعودية للتخصّصات الصحية، وعدم تجديد الإقامة أو البت في إجراءات نقل الكفالة إلا بعد تقديم بطاقة التصنيف المهني سارية المفعول، وضرورة إبلاغ إمارات المناطق عن جميع المعاهد التعليمية المتخصّصة بالتدريب والتعليم الطبي، التي يثبت بيعها شهادات علمية طبية مزورة.

ويحتلّ الممرّضون الصدارة في مجال التزوير بنسبة 60 في المائة، يليهم الصيادلة. وضمّت القائمة ممارسين متخصّصين لمهنة الطب، بالإضافة إلى 77 طبيباً لم يلتحقوا يوماً بكليّة الطبّ.

وتكشف مصادر في الهيئة السعودية للتخصّصات الطبيّة، لـ "العربي الجديد"، أن بعض الذين ألقي القبض عليهم، ويمارسون العمل في الحقل الطبي، كانوا سباكين أو نجارين. ويقول أحد المصادر: "كشفنا مزورين كانوا يعملون في مهن يدوية. مع ذلك، اشتروا شهادات مزورة وأوراق خبرة".

وما زال أهالي المجمعة يتذكّرون اليوم الذي عرفوا فيه أن طبيب القلب الوحيد في مستشفى الملك خالد كان نجاراً، بينما كان طبيب الأسنان في المستشفى ذاته طبيباً بيطرياً. وفي القصيم (وسط السعودية)، بدا الوضع أكثر خطورة، بعد الكشف عن أن جراح المسالك البولية الذي كان يعمل في المستشفى منذ أكثر من عشر سنوات، لم تطأ قدميه كلية الطب.

إلى ذلك، يقول مصدر في وزارة الصحة إن 49 في المائة من العمالة الوافدة زوّروا أو تلاعبوا بشهاداتهم الصحية، وإن غالبيّة هؤلاء يتحدرون من دول شرق آسيا. وتنصّ العقوبة على إعادة هؤلاء المزوّرين إلى بلادهم في ظل غياب قانون صارم يجرّمهم. ويؤكّد المستشار القانوني، أحمد الشريد، أن القانون السعودي ضعيف، وهو يعاقب المزوّر ولا يعاقب من يحمل أوراقاً مزوّرة. يضيف لـ "العربي الجديد": "لا يوجد قانون صارم لمعاقبة العمالة المزورة، فلا يحالون إلى القضاء بتهمة التزوير".

ورغم أن الأمين العام للهيئة السعودية للتخصّصات الصحية، عبد العزيز الصائغ، يستبعد أي ربط بين التزوير والأخطاء الطبية، إلا أن الباحث في هذا القطاع، الطبيب حمود القميزي، يلفت إلى أن كثرة الأخطاء الطبية في السعودية ترتبط بضعف الرقابة على مؤهلات الأطباء. ويقول لـ "العربي الجديد": "لا يمكن توقّع أنّ طبيباً عمل لعشر سنوات من دون أن يدرس الطب، لم يرتكب الأخطاء. الأكيد أنه ارتكب عشرات الأخطاء". يضيف أن عدد هؤلاء الأطباء مهول. فخلال ثلاث سنوات، كشف أكثر من عشرة آلاف طبيب. وهناك أكثر من 477 ألف طبيب في السعودية لم تفحص شهاداتهم، ما يعني أنّنا قد نكون أمام مفاجآت مخيفة".

في هذا الإطار، يقول أستاذ إحدى كليات الطب، حمد البدر: "حين يعمل الطبيب أو الممرض بشهادة مزورة، فلا يجب توقع غير الأخطاء، الطب ليس مثل أية مهنة أخرى". ويضيف: "من غير المعقول التساهل في هذا الأمر، لا بد من تجريم هؤلاء المزوّرين. الأمر خطير جداً".