إنسان عاديّ طبيعيّ

إنسان عاديّ طبيعيّ

02 مارس 2019
قبل كلّ شيء... نحن جماعة! (عامر الحموي/ فرانس برس)
+ الخط -

العاديّ هو الأمر الذي جرت العادة به، أي المألوف/ المعهود الذي لا يتجاوز مستوى عامّة الناس. الطبيعيّ هو ما يُنسَب إلى الطبيعة، وهو السويّ الذي ينسجم مع بيئته. كم من مرّة أصرّ الواحد منّا، بينه وبين نفسه، على التمايز رافضاً أن يكون "إنساناً عاديّاً" في مجتمعه؟ كأنّما في الأمر مذمّة. ويسعى إلى التخلّص من تلك "الوصمة" وبالتالي الاختلاف عن سواه من البشر بصفته "إنساناً غير عاديّ". في المقابل، على الرغم من تلك النزعة صوب التمايز، نجد - بمعظمنا - أنفسنا متمسّكين بما يمكن تحديده "حياة طبيعيّة". من خلال ذلك نضمن اندماجاً في بيئة وُجدنا فيها وما زلنا، إمّا رغماً عنّا وإمّا بملء إراداتنا.

ماذا يعني أن يكون الإنسان "طبيعيّاً"؟ هنا بيت القصيد، بحسب ما يؤكّد الكاتب والفيلسوف الفرنسي ألان دو بوتون في مقال له نشرته أخيراً مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة التي تُعنى بشؤون علم النفس. ويسأل دو بوتون: "لماذا نولي فكرة الإنسان الطبيعيّ قدراً كبيراً من الأهميّة؟"، قبل أن يجيب: "لأنّنا قبل كلّ شيء جماعة! نحن كائنات تستجيب لديناميكيّات المجموعة إلى أقصى حدّ وتظهر حساسيّة تجاه كيفيّة اندماجها أو عدمه". يضيف أنّه "بغضّ النظر عن الأهميّة التي نوليها للفرديّة ولتفرّدنا الشخصيّ، نحن في الواقع متأثّرون عميقاً بما يُعِدّه مجتمعنا طبيعيّاً".

في سنّ المراهقة، يبدأ الإنسان بالتساؤل حول "طبيعته" أو "سوائه"، فيُسجَّل لديه "خوف من أن يكون مختلفاً في بيئته لدرجة أن يصير غير طبيعيّ". هذا ما يؤكّده الطبيب الفرنسيّ المتخصّص في الأمراض النفسيّة والعقليّة لدى الأطفال، مارسيل روفو، في حديث إلى قناة "فرانس 5". وهنا تكمن المفارقة. المراهق يخاف من الاختلاف، في حين أنّ كلّ شيء يوحي بأنّه ينزع إلى التفرّد والتمايز. الأمر الذي يرى روفو أنّه "يعكس تعقيد/ التباس سنّ المراهَقة"، شارحاً أنّ "في تلك السنّ يصير رأي الآخر هوساً بالنسبة إلى الفرد، لا سيّما تقبّله (...) فالخوف من النبذ/ العزل يكون عارماً".




وهذا الهوس/ الوسواس في ما يتعلّق برأي الآخر لا يزول بعد المراهَقة حكماً، بل يرافق كثيرين بعد بلوغهم سنّ الرشد. هؤلاء بحسب روفو "سوف يستمرّون بالتشكيك في أنفسهم وتقييم درجة سوائهم بالمقارنة مع سواهم، على سبيل المثال في خلال اجتماع عمل أو لقاء عاطفيّ". أن يكون الإنسان "طبيعيّاً" أمر "حميم جداً"، بالنسبة إلى روفو الذي يشرح أنّ "كلّ واحد منّا يعرّف السواء بطريقة مختلفة، وفقاً لمُعاشه وعلاقاته وعائلته. ما هو طبيعيّ من وجهة نظري ليس كذلك من وجهة نظر آخرين".

دلالات

المساهمون