نساء الإمارات... معاناة مع "نظام الولاية"

نساء الإمارات... معاناة مع "نظام الولاية"

17 فبراير 2019
الحرية مشروطة بإذن ولي الأمر (فينشنزو بنتو/ فرانس برس)
+ الخط -

تعاني المرأة الإماراتية من درجتين مترابطتين من التسلط، أولاهما تسلط الدولة في قيودها العديدة، وثانيتهما تسلط ولي الأمر الذي يُطلَب إذنه في تعليمها وتوظيفها وسفرها، مع الإشارة إلى قانونية تعنيفها

بالرغم من محاولات حكومة الإمارات العربية المتحدة تصوير نفسها حكومة ليبرالية توفر الحقوق لجميع المواطنين، فإنّ المرأة الإماراتية تعيش في ظلّ قوانين مجحفة تحدّ من حريتها، وسط حماية من أجهزة الشرطة والنيابة لمرتكبي التعنيف من الآباء والأشقاء أو حتى الأبناء وبقية الأقارب، ووجود نظام يشبه نظام "الولاية على المرأة" القائم في السعودية.

تفرض الإمارات قيوداً كبيرة على منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان داخل البلاد، ما يمنع ظهور انتهاكات الدولة تجاه المرأة إلى العلن، كما أنّ الإعلام العالمي لا يجد في الإمارات مادة دسمة للتغطية حول انتهاكات حقوق الإنسان فيها، في ظل عدم توفر معلومات واضحة، بسبب خوف كثير من النساء من الحديث إلى صحافيين أجانب. لكنّ الجيل الجديد من الإماراتيات يبدو أقل خوفاً من سابقيه، خصوصاً مع ظهور حملات المطالبة بإسقاط الولاية عن المرأة في السعودية بشكل قوي، وصعود جيل جديد من الناشطات النسويات السعوديات اللواتي تمكّنّ من احتلال مكان قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى درجة أجبرت السلطات السعودية على ملاحقتهن وسجن رموزهن، ومن بينهن الناشطة لجين الهذلول، والناشطة إيمان النفجان، والأكاديمية عزيزة اليوسف.




وأطلقت الناشطات الإماراتيات عدة وسوم على موقع "تويتر"، منها وسم "إماراتيات نطالب بإسقاط الولاية" و"إماراتيات نطالب بتعديلات قانونية". ركزت المطالب على إسقاط نظام الولاية المفروض على المرأة، وإلغاء القوانين التي تسمح بالعنف الأسري وضرب الزوجة إذا رفضت طاعة زوجها، بالإضافة إلى اشتراط موافقة "ولي الأمر" للدراسة في الجامعة أو الحصول على وظيفة أو استخراج جواز سفر أو رخصة قيادة.



تكنولوجيا القمع
نجحت "العربي الجديد" في التحدث إلى عدد من المواطنات الإماراتيات، داخل الإمارات وخارجها، ممن يعانين من القوانين التي تضطهد المرأة. تقول سارة (اسم مستعار)، وهي فتاة إماراتية سبق لها التخرج من جامعة "زايد" في أبوظبي، "إنّ حياة الطالبة في الجامعات الإماراتية لا تطاق، إذ تشترط الجامعة لدخول الفتاة اختصاصاً معيناً، أن يوافق ولي أمرها (والدها أو من يقوم مقامه) على هذا الاختصاص، فمثلاً إذا أرادت الفتاة أن تدرس الأدب الإنكليزي وأراد لها والدها أن تدرس القانون، فإنّها مجبرة على دراسة القانون، ولا يمكن لها تغييره من دون إذن ولي الأمر. وهناك كثير من الحالات التي تحطمت فيها معنويات الفتيات بسبب إجبار أهاليهن لهن على دراسة اختصاصات لا يرغبن فيها".




تضيف سارة: "لا تسمح الجامعة للطالبات بالخروج من بوابتها إلا بإذن خاص من ولي الأمر، ويجرى التوقيع عليه بداية كلّ فصل دراسي، وفي السابق كان هذا الإذن مرتبطاً ببطاقة خضراء تمنح للطالبات بموافقة ولي الأمر، أما اليوم فقد أصبح إلكترونياً، إذ يجرى ربط خروج أيّ طالبة من بوابة الجامعة بنظام إلكتروني يرسل رسالة مباشرة إلى ولي أمرها تفيد بخروج ابنته في الساعة المحددة أو دخولها في الساعة المحددة. وهو ما يعني أنّ ولي الأمر يملك صلاحية مراقبة ابنته طوال الوقت وهو في بيته، فيعرف مواعيد دخولها أو خروجها من الجامعة، وهذا الإجراء لا يطبق على الطلاب الذكور بل الإناث فقط".

وعن المخاطر التي تحيط بالفتاة إذا لم تزود الجامعة برقم ولي أمرها، تقول سارة: "ليس الأمر بهذه السهولة، فهناك صرامة كبيرة في الجامعة، إذ تتواصل إدارتها مع أولياء الأمور دورياً للتأكد من وصول الرسائل، وفي حال تعذر الإتيان برقم ولي الأمر، فإنّ الإدارة توقف خدمات الطالبة وتعتبرها راسبة في المواد حتى تأتي بولي أمرها بنفسه إلى الجامعة. وإذا أرادت الطالبة الانضمام إلى أيّ دورة تدريبية داخل مرافق الجامعة أو خارجها فإنّ موافقة ولي الأمر إلزامية، كما هي الحال مع الأطفال"، وفق ما تقول سارة. كذلك، فإنّ العمل بوظيفة جزئية داخل مرافق الجامعة يشترط إذن ولي الأمر.

 

إذن السفر والقيادة
لا تقتصر مصاعب الشابة الإماراتية على الجامعة فحسب، بل تمتد إلى مرحلة ما بعد الجامعة، إذ تقول سارة إنّها بعدما تقدمت للحصول على وظيفة في وزارات الدولة، بإمارة أبوظبي، فوجئت أنّها لا تستطيع مباشرة العمل إلّا بإذن مكتوب من ولي أمرها. وبالرغم من أنّ سارة لا تصنف عائلتها على أنها عائلة متشددة، فإنّها تؤكد تعرضها لاضطهاد نفسي وضغوط لاختيار وظيفة لا ترغب فيها، ذلك لأنّ وظيفة أحلامها، على حد وصفها، وظيفة مختلطة بالذكور، وهو ما لا تريده عائلتها.

تتحدث هاجر (اسم مستعار) وهي زميلة سارة، إلى "العربي الجديد"، عن تعرضها للضرب بشكل دوري من قبل أخيها بعد موت والدها، لكنّها لم تفكر يوماً في أن تشكوه إلى الشرطة أو تلجأ إلى القضاء، لأنّ رجال الشرطة يرون أنّ من المعيب على المرأة أن تشكو أخاها حتى وإن كان يضربها. تضيف: "أعتقد أنّ المرأة في السعودية تعيش واقعاً أفضل من الإمارات، وذلك بسبب ترابط النساء هناك، وقدرتهن على إيصال أصواتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسليط الإعلام الغربي الضوء عليهن بعكس ما يحدث هنا".

 



لم تتمكن هاجر من استخراج رخصة قيادة السيارة بسبب رفض أخيها قيادتها، واشتراط الحكومة الإماراتية موافقة ولي الأمر على ذلك كي تسمح لها باستخراج هذه الرخصة. كذلك، فقد استخرجت جواز سفر، لكنّها لم تسافر به حتى الآن بسبب اشتراط القوانين الإماراتية موافقة ولي الأمر. تقول هاجر: "لم أنهِ دراستي الجامعية بعد، لكنّني أعلم أنّني فور انتهاء دراستي سأجلس في البيت من دون وظيفة، لأنّ أخي الذي هو ولي أمري لا يريد توظيفي، بل تزويجي على الفور".

تروي سارة وهاجر قصة سلوى البريكي، وهي فتاة إماراتية ضربها أهلها وعذبوها بسبب ما اعتبروه "أفكاراً إلحادية" لديها، حتى اضطرت إلى دخول مستشفى الطب النفسي عدة مرات بعد إخراج أشقائها لها من الجامعة، قبل أن تقدم على الانتحار، لكنّ عائلتها قالت إنّها ماتت بسكتة قلبية.

تزوير
لا يقتصر مسلسل اضطهاد المرأة الإماراتية على المواطنات العاديات، بل يمتد إلى نساء الأسرة الحاكمة نفسها، إذ هربت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم من إمارة دبي، واختبأت على متن يخت في المحيط الهندي. لكنّ السلطات الإماراتية استعانت بمرتزقة محترفين للقبض عليها وإعادتها إلى الإمارات بسبب "تمردها"، ليختفي أثرها منذ ساعة اختطافها في شهر مارس/ آذار 2018، إلى أن نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية "وام" صورتين، تظهر فيهما الشيخة لطيفة مع رئيسة أيرلندا السابقة، ماري روبنسون، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. لكنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية ذكرت الأسبوع الماضي أنّ الشيخة لطيفة كانت خلال عملية الاعتقال مقيدة على الأرض وتتعرض للركل، وكانت تصرخ وتقول إنّها تريد طلب اللجوء السياسي في الهند. ونقلت الصحيفة عن مدربتها الفنلندية تينا جوهاينن، التي ساهمت في تهريبها، أنّ رجلاً تكلم بالعربية مع الشيخة لطيفة التي أجابته "أطلقوا عليّ النار هنا، لا تأخذني". ولم يرد الشيخ محمد بن راشد على طلب بإجراء مقابلة أرسلته "نيويورك تايمز" إلى مكتبه، كما لم تردّ السفارة الإماراتية في واشنطن على طلب للتعليق. وبحلول منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، تخلى محامٍ كان يعمل مع الناشطين في قضية الشيخة لطيفة من دون أيّ تفسير عن عمله، ما يمكن أن يفهم أنّها ضغوط من الأسرة الحاكمة.




نورة، شابة إماراتية، ذهبت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها، وحصلت هناك على الماجستير، قبل أن تقرر البقاء وتقديم طلب لجوء فيها بسبب اضطهاد عائلتها لها، ومحاولتهم كبح مسيرتها المهنية والدراسية. تقول لـ"العربي الجديد": "في الإمارات، الصورة قاتمة جداً، لأنّنا بلد غني، وإعلامنا يقدم صورة مزيفة بأنّنا مجتمع حر ومنفتح بالإضافة إلى توافد السائحين الأجانب، وتوفر الجنس المقنن والدعارة العلنية والخمور والحانات، فإنّ الرأي العام الغربي يظن أنّ نساء الإمارات يتمتعن بحرية كبيرة، لكنّنا في حقيقة الأمر نعاني ونعيش أشبه بالسجينات في بيوتنا".

تضيف: "الحكومة لا تهتم بالمساواة بين النساء والرجال في المجتمع، وكلّ ما يهمها أمران: أولهما صورتها أمام العالم الغربي وهو أمر يسهل تزويره عبر وضع أكبر عدد من الوزيرات النساء اللواتي يحظين بدعم وموافقة أهلهن وتجاهل النساء المعنفات والمظلومات، وثانيهما كسب رضا العائلات المتشددة التي تؤذي بناتها بحجة العادات والتقاليد، وذلك عبر منحها صلاحية الاعتداء على بناتها وأذيتهن، ولا نملك إمكانية تنظيم أنفسنا حتى أصبحنا كمن يصرخ في الظلام".

يمنح القانون الإماراتي للرجل صلاحية الاعتداء على زوجته وفق المادة رقم "53" من قانون العقوبات التي تقول: "لا جريمة إذا وقع الفعل بنيّة سليمة استعمالاً لحق قُرر بمقتضى القانون، وفي نطاق هذا الحق: تأديب الزوج لزوجته تأديب الآباء ومن في حكمهم للأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً وقانوناً".



قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها عن الإمارات عام 2016 إنّ "هذا القانون يسمح بالعنف الأسري تجاه المرأة، والمحكمة الاتحادية أصدرت عام 2010 حكماً يسمح في حيثياته بضرب الزوج زوجته وإلحاقه أشكالاً أخرى من العقاب بها أو إكراهها على شيء ما، شريطة ألّا يترك آثاراً بدنية". وبالرغم من الواقع المظلم للمرأة الإماراتية، فإنّ نورة التي تعكف على تأسيس مركز إعلامي يدعم حقوق المرأة الإماراتية، تقول إنّ الواقع سيختلف قريباً مع محاولات الأجيال الشابة من النساء الإماراتيات المقاومة، واستلهام النموذج السعودي للمطالبة بحقوق المرأة المسلوبة.




خلال الأسبوع الماضي بالذات، أطلق ناشطون خليجيون حملة طالبوا فيها الحكومة الإماراتية بالإفراج عن الناشطة المعتقلة علياء عبد النور التي تعاني من ظروف صحية سيئة، بسبب إصابتها بمرض السرطان. وكانت علياء قبل اعتقالها تعالج من المرض الذي أصابها عام 2008، لكنّ ظروف المعتقل السيئة والإهمال الصحي المتعمد أدى إلى تفاقم حالة المرض. كذلك، تمكنت المواطنة الإماراتية الهاربة من "العنف الأسري" هند البلوكي (42 عاماً) من مغادرة مقدونيا إلى ألمانيا أمس الأول، الجمعة، بهدف الحصول على اللجوء هناك، بعدما شغلت قضيتها الناشطين والمنظمات الحقوقية في الشهرين الماضيين.

دلالات

المساهمون