متطوعو الخوذات البيضاء.. يوميات ومآسٍ في حلب

متطوعو الخوذات البيضاء.. يوميات ومآسٍ في حلب

09 أكتوبر 2016
يندفعون لإنقاذ حياة الآخرين (إبراهيم أبو ليس- الأناضول)
+ الخط -
بعد غارات استهدفت حيا في شرق مدينة حلب قبل أسبوعين، هرع أبو حسن المتطوع في الدفاع المدني إلى موقع القصف، من دون أن يخال للحظة أن يكون ابنه المتطوع مثله، في عداد القتلى.


داخل مركز مهجور للدفاع المدني في حي باب النيرب، يشير الوالد المفجوع (50 عاما) إلى صورة يبدو فيها ابنه حسن (26 عاما) مع أحد زملائه مبتسما، معلقة على حائط إحدى الغرف تكريما لهما.


انضم الوالد وابنه قبل ثلاث سنوات إلى صفوف متطوعي الدفاع المدني أو "الخوذات البيضاء"، الذين جالت صورهم العالم وهم يسحبون الضحايا من تحت الأنقاض وينقلون الجرحى، بعد كل غارة تستهدف الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في حلب، وفي مناطق أخرى.


ومنذ ذاك الحين، شارك أبو حسن في عشرات مهمات الإنقاذ في شرق حلب، بعدما تخلى عن مهنته السابقة كنجار، لكن اللحظات التي عاشها قبل أسبوعين لن تمحى من ذاكرته.


ويروي أبو حسن لوكالة "فرانس برس" تفاصيل تلك الليلة المأساوية. ويقول "قبل أسبوعين، سمعنا نداءات استغاثة عبر اللاسلكي من حي الصالحين تفيد بوقوع مجزرة نتيجة غارة جوية".


في تلك الأثناء، كان حسن في الحي ذاته في مهمة لشراء المازوت لسيارة الإسعاف التابعة للمركز، وكان والده يعرف ذلك.


يستعيد أبو حسن تلك اللحظات "عندما وصلت إلى مكان القصف كانت الجثث ملقاة على الأرض. أخبرني أحدهم أن هناك المزيد من الجثث خلف المبنى المستهدف. سارعت إلى هناك وتملكني الخوف. وجدت شابا ملقى على بطنه ومصابا إصابات بالغة في البطن والساق والرأس. قلبته بيدي لأرى وجهه".


أصحاب الخوذات البيضاء يلبون نداء الاستغاثة (هبة الحلبي- الأناضول) 




ويضيف وهو يحبس دموعه "كان ولدي. كانت أصعب لحظات حياتي كلها". وبعد نقل جثة ابنه الذي ترك خلفه زوجة وطفلين، إلى مركز باب النيرب، بقي أبو حسن قربه طيلة الليل. ويقول "في الصباح أخذته إلى المقبرة ودفنته بيدي".

في تلك الليلة، انضم حسن وزميله الذي قتل معه في الغارة ذاتها إلى عشرات المتطوعين الذين فقدوا حياتهم منذ تأسيس الهيئة عام 2013، بعد نحو عامين على اندلاع النزاع السوري.

ويحمل ثلاثة آلاف متطوع وبينهم نحو مائة امرأة، أرواحهم على أكفهم في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في ثماني محافظات سورية، بينها حلب، حيث يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الجرحى وسحب جثث القتلى.

ويروي محمد واوي أحد متطوعي الدفاع المدني كيف نجا بأعجوبة خلال قيامه وزملائه بمهمة إنقاذ في حي استهدفته الغارات.

يوميات الدفاع المدني في حلب (تويتر) 


ويقول "أثناء عملنا، أغار الطيران الحربي علينا واستهدفنا بصاروخ، فأصيب فريق الإطفاء والإنقاذ". ويوضح "بعدما كنا نقوم بإنقاذ وإسعاف السكان، أصبح السكان هم من يقومون بإنقاذنا".

ويوضح مدير مركز الدفاع المدني في حي باب النيرب بيبرس مشعل "إن مركزين من أصل ثلاثة مراكز في شرق حلب تعرضا لغارات أدت إلى وقف الخدمة في أحدهما، كما دمرت ثلث آليات الدفاع المدني، ويتلقى سبعة متطوعين العلاج في المستشفيات".

وعلى رغم قساوة التجارب وفظاعة المشاهد التي يراها يوميا، يواصل لؤي مشهدي (25 عاما) الذي يرأس فريقا من المتطوعين القيام بمهامه غير آبه بالمخاطر والغارات.

ويقول وهو يقف أمام مبنى مدمر في باب النيرب "منذ أيام عدة، أخرجت طفلا رضيعا من تحت الأنقاض في حي الصالحين، كان قد فقد رجليه وأجزاء من بطنه لكنه لا يزال على قيد الحياة".

ويضيف لؤي وهو أب لطفل "ظل الطفل بين يدي نحو ربع ساعة، ثم توفي عندما وصلت سيارة الإسعاف (...) صعوبة الموقف أصابتني بالمرض، وبقيت في المنزل لثلاثة أيام".

يدرك لؤي أن الموت يلاحقه، ويخشى على زملائه. ويقول "لسنا زملاء عمل فقط بل نحن عائلة واحدة". وقتل أربعة متطوعين في المركز ذاته في الشهرين الماضيين أثناء قيامهم بعملهم، وفق لؤي.
 

(فرانس برس)



المساهمون