عيد العمال في فرنسا.. استحضار ذكرى بوعرام وضحايا العنصرية

الجالية العربية في فرنسا تحتفل بعيد العمال.. ذكرى بوعرّام وضحايا العنصرية

01 مايو 2018
يتم إحياء الذكرى سنوياً لمحاربة العنصرية (العربي الجديد)
+ الخط -
تحتفل الجاليات العربية في فرنسا، اليوم الثلاثاء، كسائر مواطني فرنسا، وخاصة طبقتها العاملة، بعيد العمال، إلى جانب إحياء الذكرى الثالثة والعشرين لاغتيال المغربي إبراهيم بوعرام


وككل سنة، يجتمع فرنسيون وعرب على جسر كاروسيل عند الساعة 11 صباحا، لتذكر الشهيد بوعرام وكل شهداء العنصرية في فرنسا، إذ إن القتلى بعده كثيرون، منهم من سقط بأيدي عناصر عنصرية حاقدة، وآخرون على أيدي الشرطة الفرنسية. وبعد الاستماع لبعض الكلمات، ومن بينها كلمة العائلة، ينزل الجميع من الجسر إلى ضفة النهر بهدوء، وهناك يتم إلقاء الورود في نهر السين، في المكان ذاته الذي هوى فيه بوعرام قبل 23 سنة.

وقد تحدثت المسؤولة المنظِّمة لتجمع اليوم، الذي دعت إليه العديد من الجمعيات والأحزاب السياسية الفرنسية، والذي شهد حضور الأمين العام الجديد للحزب الاشتراكي،​ أوليفيي فُور، وقالت: "في كل سنة نكتشف أن المناسبات لا تتغير، بل إن العنصرية، للأسف، أصبحت مسألة عادية".       

وأضافت: "منذ اغتيال بوعرّام حصدت العنصرية ضحايا آخرين في فرنسا، ونشرت سمومها في المجتمع من خلال أشكال أخرى، ككراهية الأجنبي ومعاداة السامية والإسلاموفوبيا وكل أنواع التمييز.. وأيضا العنف البوليسي والتحقيق مع المواطنين، بالارتكاز إلى سحنات وجوههم، والدور المشبوه لبعض وسائل الإعلام، والعدالة التي تكيل بمكاييل مختلفة، حين يتعلق الأمر بأبناء مهاجرين وآبائهم، إضافة للتوظيف السياسي للإسلام والعلمانية الذي يشجّع على تصاعد الكراهية".

وأشارت إلى وجود "عامل إضافي لتأزيم الأوضاع أطلقته الحكومة الحالية في فرنسا، عبر قانونها الجديد حول (اللجوء والهجرة)، الذي يشكّل هجوما غير مسبوق على الحقوق الأساسية، وعلى الإنسان باعتباره إنسانا". وقالت: "سيتذكر التاريخ أن نواب الحزب العنصري في فرنسا قدموا دعمهم لنواب الأغلبية في ما يخص البند الخامس من مشروع القانون المتشدد".

يتم إلقاء الورود في نهر السين (العربي الجديد)

وشكر سعيد بوعرام، ابن الراحل، خلال كلمته الجمهور على حضوره من أجل تذكّر الراحل وكل ضحايا البربرية والتطرف في فرنسا. وأعلن أنه يستغل المناسبة ليقول: "لا للعنصرية، لا للكراهية، لا للعنف والبربرية". وأضاف أن "الرد على هذه الانحرافات هو المزيد من المساواة والمزيد من الأخوّة والعيش المشترك".

من جهته، ألقى كلمة "جمعية العمال المغاربيين في فرنسا"، الرئيس إدريس القرشي، مؤكدا أن العنصرية التي قتلت إبراهيم بوعرام هي التي قتلت من قبل علي إبراهيم في مارسيليا في 21 فبراير/شباط 1995 على أيدي الجبهة الوطنية، والتي قتلت جزائريين وعربا سنة 1961، ولم تتوقف عن القتل.

وأعلن أن تطبيع الفكر العنصري متواصل في فرنسا، فقد "شهدنا، العام الماضي، في مثل هذا الوقت صعود مارين لوبان إلى الدور الثاني للرئاسيات الفرنسية". وانتقد كل من يسير في اتجاه وصم الإسلام بأنه عدوّ داخلي في فرنسا، وخاصة بعد الاعتداءات الإرهابية التي انتقدها مسلمو فرنسا.

وصم الإسلام بأنه عدو داخلي في فرنسا (العربي الجديد)

وأضاف اليوم، هناك من يربط بين المسلمين وبين العنف والإرهاب، ونحن، الآن، أمام بيان يريد أن يعلّمنا بأن معاداة السامية المعاصرة مصدرها الإسلام والمسلمون مدعومين من يساريين.. وأن المسلمين تهديد كبيرٌ لعالَم الحرية، الذي تمثله فرنسا. وأكد أن "بيان 300 ضد معاداة السامية حقيرٌ ومُهينٌ، يعمل على الخلط ويزرع الكراهية، ويتجاهل اليمين المتطرف العنصري، في فرنسا وأوروبا… ويهاجم المسلمين والأحياء الشعبية، التي تعاني، أصلا، من ثقل مختلف أنواع التمييز وغياب المساواة في الحقوق..".

واعتبر أن هذا البيان، ببساطة، "عنصري وإسلاموفوبيّ، لأنه لا يمكن مكافحة معاداة السامية بواسطة الإسلاموفوبيا، ولا عن طريق دفع المجموعات والجاليات للتصادم في ما بينها.. ولا يمكن أن نكافح معاداة السامية بِغَضّ الطرف عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي..".

الترحم على ضحايا العنصرية (العربي الجديد)

 وأضاف أن العنصرية التي قتلت إبراهيم بوعرام لا تزال حاضرة، إذ يتواصل تحطيم حقوق المهاجرين، بواسطة فرض قوانين قمعية جديدة، خاصة "قانون اللجوء والهجرة"، الذي لا هدف له سوى تعزيز إجراءات القمع والردع للمهاجرين وطالبي اللجوء.

ثم وجّه التحية للشعب الفلسطيني في مسيرته من أجل العودة، ودان الصمت عن جرائم قتل أطفال فلسطين.

أما روني لومينيون، من جمعية "مراب"، فرأت أن "المضامين العنصرية والكارهة للأجانب لا تزال تطبع الخطابات السياسية الفرنسية، ليس فقط لدى الأحزاب التي تتاجر في مثل هذا النوع من الخطابات".

وانتقدت "إقرار قانون اللجوء والهجرة في البرلمان الفرنسي، في قراءته الأولى، رغم احتجاج كل الجمعيات الحقوقية والإنسانية على بنوده التي تجعل ظروف المهاجرين وطالبي اللجوء في فرنسا بالغة الصعوبة والخطورة". وقالت "إن أوروبا جعلت من البحر المتوسط مقبرة لآلاف الأطفال والنساء والرجال. ضحايا تجار بشر لا ضمير لهم".

وكانت آخر مداخلة لمالك سالمكور، رئيس رابطة حقوق الإنسان في فرنسا، الذي أكد على أنه "نحن هنا كي لا ننسى إبراهيم بوعرام، وكي نحيي ذكراه وكرامته". وأضاف: " للأسف، شهدت فرنسا، منذ مقتل بوعرام، كثيرا من الجرائم العنصرية، ونحن نحيّي كل واحد من هؤلاء الضحايا، وكل اعتداء على مسلم أو يهودي أو أسود أو غجري، هو اعتداء على الإنسانية جمعاء..".

وأكد المتدخل أن "جذورنا، خلافا لما يدعيه اليمين العنصري، جذور جمهورية، جذور الأخوّة والعلمانية، والتضامن.. هذه هي قيَمُنا".

وأضاف: "من أجل مجتمع فرنسي ديمقراطي يتمتع أفراده بالمساواة، علينا أن نرفض التنافس فيما بيننا كضحايا، ونرفض الانطواء كجماعات، كما يتوجب علينا أن نتحرك عند جذور الشرّ، المعقد والمتعدد".


وانتقد مشروع قانون "اللجوء والهجرة"، واعتبره "الأكثر قسوة وتشددا منذ عقود"، وهو الذي يشجع على انتشار شعور في فرنسا، وكأنها "تتعرض لغزو واكتساح، وكأنها مُهدَّدَة"، ثم رأى أنه قانون "يعاقب كلّ تضامن مُواطنيّ"، وهي "سياسة غير عادلة بالنسبة لطالبي اللجوء كما أنها خطيرة على السلم الاجتماعي".

واختتم قائلا "ثمة حالة استعجالية لمكافحة أشكال العنصرية، وأيضا الاستجابة لتطلعات كثير من الفرنسيين الذين لا يريدون سوى أن يُعامَلوا كمواطنين ومتساوين. وإن تكريم إبراهيم بوعرام وتذكّره، اليوم، هو تذكير بالطابع الاستعجالي للنضال ضد كل أشكال العنصرية".

يذكر أنه في مثل هذا اليوم من سنة 1995 خرجت عصابة متطرفة من قلب تظاهرة لجان ماري لوبان، رئيس حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، ونزلت إلى ضفة نهر السين، وتصادف أن كان إبراهيم بوعرام (29 سنة)، موجودا، فهجموا عليه وألقوا به، في سادية ظاهرة، في نهر السين، حيث لفظ أنفاسه.