تأمين مصر... مخالفات دستورية ونوايا خصخصة للصحة

تأمين مصر... مخالفات دستورية ونوايا خصخصة للصحة

04 ديسمبر 2017
تحميل المواطنين البسطاء أعباء إضافية (فرانس برس)
+ الخط -
لم يمرّ مشروع قانون التأمين الصحي الشامل في مصر من دون انتقادات. كثيرون يشيرون إلى تضمن مواده ما يهيئ لخصخصة القطاع الصحي، كما يلفت آخرون إلى تحميل الفقراء والمهمشين أعباء إضافية كبيرة

بعد انتظار دام عامين كاملين، سلّمت الحكومة المصرية إلى مجلس النواب (البرلمان) المسودة الكاملة لمشروع قانون التأمين الصحي الشامل، الذي يواجه اتهامات بالجملة، تارة بمخالفة مواده نصوص الدستور، والتمييز بين المصريين في الحصول على الخدمة الصحية، وطوراً بالتمهيد لخصخصة المستشفيات الحكومية، بإخراج تلك التي لا تطابق معايير الجودة من المنظومة الجديدة.

لم تلتزم حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخصيص نسبة 3 في المائة على الأقل من الإنفاق الحكومي من الناتج القومي الإجمالي لقطاع الصحة، أو تحسين أوضاع الأطباء، وهيئات التمريض، والعاملين في الصحة، بحسب ما ورد في نص المادة 18 من الدستور المصري التي "ألزمت الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين، يُغطي كلّ الأمراض".

يهدف القانون إلى توحيد نُظم التأمين الصحي المُتعددة حالياً تحت مظلة واحدة، يكون الاشتراك فيها جبرياً، مع توقيع عقوبات بالحبس والغرامة للمتهربين منه، والتوسع في هذه المظلة بشكل تدريجي لتغطي جميع المصريين خلال مدى زمني يصل إلى 14 عاماً، من تاريخ بدء المنظومة الجديدة في محافظة بورسعيد منتصف العام المقبل.



مشروع بديل
تقدم البرلماني عبد الحميد كمال بمذكرة إلى رئيس مجلس النواب علي عبد العال تطالب بسرعة استدعاء وزير الصحة إلى البرلمان، بعد اتهام الأخير بإهدار 400 مليون جنيه (الدولار الأميركي بـ17.6 جنيهاً مصرياً) من جراء قراره باستبعاد محافظة السويس عن التطبيق التجريبي الأول لنظام التأمين الجديد، بالرغم من اختيارها محافظة أولى في تطبيق نظام التأمين الصحي القائم منذ العام 2008. وأوضح كمال، في مذكرته، أنّ الدولة تحملت أكثر من 400 مليون جنيه، من أجل تطوير البنية التحتية للمستشفيات الحكومية في المحافظة، خصوصاً مستشفى التأمين الصحي الجديد، وزيادة الوحدات الأساسية للعلاج الصحي إلى 23 وحدة، علاوة على إنشاء قاعدة بيانات جديدة، وتدريب الأطباء والممرضين، وأطقم التدريب الفني، على المنظومة الجديدة.

تساءل كمال عن "السر وراء استبعاد المحافظة من جانب وزير الصحة، ووضعها في المرتبة الرابعة من محافظات المرحلة الأولى، بالرغم من جاهزيتها للمنظومة الجديدة"، معتبراً أنّ تجاهل تطبيق التجربة في المحافظة "يمثل إهداراً للمال العام، وحرماناً لسكانها من ميزات نظام التأمين الصحي الجديد".

كذلك، تقدم عضو اللجنة التشريعية في البرلمان خالد مشهور بطلب إحاطة عاجل حول عدم وضع القانون تعريفاً محدداً للفئات غير القادرة، التي ستتحمل الدولة نفقات علاجها في المنظومة الجديدة، فضلاً عن تحمل المواطنين جانباً آخر من الأعباء، بالدفع مقابل الحصول على خدمات العيادة الخارجية في المستشفيات.

من جهته، تقدم عضو لجنة الصحة في البرلمان هيثم الحريري بمشروع قانون مواز للتأمين الصحي، باسم تكتل "25 ــ 30" النيابي، اعتراضاً على مخالفة مشروع الحكومة مواد الدستور المجرّمة للتمييز، والخاصة بحق كلّ مواطن في تلقي العلاج. ونصّ المشروع البديل على إنشاء هيئة عامة اقتصادية للتأمين الصحي، غير هادفة للربح، تحت الإشراف العام لمجلس الوزراء. وأقر مشروع الحريري تطبيق منظومة التأمين الجديدة على جميع المصريين في آن واحد، من دون تمييز لمحافظة على أخرى، لتجاوز مشكلة تأخر استفادة مواطني الدلتا والقاهرة والجيزة من مزايا النظام الصحي في المراحل المتأخرة، مع وضع ضمانات لإدخال المستشفيات الحكومية غير المطابقة للمعايير مرة أخرى إلى المنظومة، تفادياً لمسألة طرحها للبيع أمام القطاع الخاص.

مراحل المنظومة
تتدرج مراحل تطبيق المنظومة من المحافظات الأصغر مساحة، والأقل سكاناً، وصولاً إلى الأكبر مساحة، والأعلى كثافة، إذ تشمل المرحلة الأولى (2018 – 2020)، محافظات: بورسعيد، والإسماعيلية، وجنوب سيناء، والسويس، وشمال سيناء، والمرحلة الثانية (2021 – 2023) محافظات الأقصر، والبحر الأحمر، وأسوان، وقنا، ومرسى مطروح.

أما المرحلة الثالثة (2024 – 2026)، فشملت محافظات الإسكندرية، والبحيرة، ودمياط، وسوهاج، وكفر الشيخ، والمرحلة الرابعة (2027 – 2028)، محافظات بني سويف، وأسيوط، والمنيا، والوادي الجديد، والفيوم، والخامسة (2029 – 2030)، محافظات الدقهلية، والشرقية، والغربية، والمنوفية، والأخيرة (2031 – 2032) محافظات القاهرة، والجيزة، والقليوبية.

ويلزم القانون أجهزة الدولة برفع كفاءة المنشآت الصحية التابعة لها تدريجياً، قبل تطبيق النظام في كلّ محافظة مستهدفة، لكنّه لم يستثنِ الأشخاص ذوي الإعاقة، وأطفال الشوارع، من دفع نسبة 20 في المائة من قيمة المساهمات.

اشتراكات كبيرة
تشمل مصادر تمويل المنظومة تسعة موارد، من أبرزها القروض، والإعانات، والهبات، والمنح الخارجية، والمساهمات، واشتراكات المؤمّن عليهم بواقع 5 في المائة من أجر التأمين، أو الإقرار الضريبي، وفقاً لكلّ ما يتحصّل عليه المواطن من دخل، والتزام رب الأسرة بسداد الاشتراكات عن الزوجة غير العاملة، ومن يعيش في كنفه من أبناء ومُعالين.

وينصّ القانون على ألا يزيد مجموع ما يسدد للأسرة الواحدة عن 7 في المائة من دخلها، فيما بلغت نسبة اشتراك الزوجة غير العاملة، أو التي ليس لها دخل ثابت 3 في المائة، وقيمة اشتراك كلّ مُعال، أو ابن 1 في المائة، وبحد أقصى اثنان من الأبناء، و1.5 في المائة إذا زاد عدد الأبناء عن اثنين.

ويلزم القانون أصحاب الأعمال بأداء حصتهم عن اشتراكات العاملين لديهم، بواقع 4 في المائة من قيمة إجمالي أجر العامل المؤمّن عليه، بحد أدنى 50 جنيهاً شهرياً، في حين اختلفت نسب مساهمات المواطنين، وفقاً للخدمة التي يتلقاها المريض، مع إعفاء أصحاب الأمراض المزمنة، والأورام، من تلك المساهمات، شريطة استصدار قرار من مجلس الوزراء.




أعباء وخصخصة
بالرغم من قيمة الاشتراك الشهري الثابت، فإنّ النظام الجديد يحمّل المواطنين أعباء إضافية، تتمثل في دفع 20 في المائة من قيمة التحاليل الطبية (من دون حد أقصى)، و10 في المائة للأشعة (بحد أقصى 1000 جنيه)، و10 في المائة للدواء (بحد أقصى 1000 جنيه)، و7 في المائة من كلفة العلاج في الأقسام الداخلية للمستشفيات بحد أقصى 1500 جنيه في المرة الواحدة.

وفي أول اجتماعاتها لمناقشة القانون، وافقت لجنة الصحة في البرلمان على فرض رسوم جديدة لصالح تمويل المنظومة، شملت 0.5 جنيه من قيمة كل علبة سجائر، و10 في المائة من قيمة كلّ وحدة مُباعة من مشتقات التبغ، و20 جنيهاً من قيمة كلّ طن أسمنت، و50 جنيهاً عن كلّ طن حديد، و5 جنيهات عن كلّ متر مربع من الرخام، والبورسلين، والغرانيت. كذلك، شملت الرسوم تحصيل جنيه واحد عند مرور كلّ مركبة على الطرقات السريعة، و25 جنيهاً سنوياً عند استخراج أو تجديد رخصة القيادة، و50 جنيهاً أخرى عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات - التي تزيد سعتها اللترية عن 1.6 لتر - و10 آلاف جنيه عند استخراج تراخيص العيادات الطبية أو مراكز العلاج، و20 ألف جنيه عند استخراج تراخيص الصيدليات.

وبحسب القانون، فإنّ القطاع الخاص سيشارك في إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية، تحت مسميات التطوير، مع منح هيئة التأمين الجديدة، المشكلة وفقاً لنصوصه، حق تسعير الخدمات الصحية، عبر لجنة تضم خبراء في القطاع الخاص، إيذاناً بتحويل المنشآت العامة إلى مستشفيات تُدار بهدف الربح، مع تحميل المواطنين أرباح العلاج من اشتراكاتهم.

عقوبات ورقابة
يربط القانون بين سداد أقساط نظام التأمين الصحي، والالتحاق بالدراسة، بالرغم من كفالة الدستور حق الصحة والتعليم مجاناً لجميع المواطنين، ما يُنذر بارتفاع نسب التسرب من التعليم، في حين يفرض عقوبات على المتهربين من الاشتراك، تصل إلى الحبس لمدة عام، وتوقيع غرامة بقيمة 50 ألف جنيه عن الفرد الواحد، و10 آلاف جنيه كعقوبة للتزوير في البيانات المطلوبة للتأمين.

وينص القانون على إنشاء هيئة عامة خدمية، تحت اسم "الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية" تهدف إلى ضمان جودة الخدمات الصحية، والتحسين المستمر لها، وتوكيد الثقة في جودة مخرجات الخدمات الصحية بمصر، وضبط وتنظيم تقديم الخدمات الصحية للتأمين، وفقاً لمعايير محددة للجودة والاعتماد، وتنظيم القطاع الصحي بما يضمن سلامته، واستقراره، وتحسين جودته، والعمل على توازن حقوق المتعاملين فيه، وفق القانون.