أطفال تونسيّون يصطادون العقارب

أطفال تونسيّون يصطادون العقارب

30 ديسمبر 2016
الملقط من أدوات صيد العقارب (العربي الجديد)
+ الخط -
يخرجون في رحلات ليليّة لاصطياد زواحف تظهر غالباً في الليل، وبأعداد كبيرة، خصوصاً العقارب. هي هواية بالنسبة للبعض. وفي أحيان أخرى، تتحوّل إلى منافسة بين الأطفال والشبان لاصطياد أكبر عدد منها. ولاحقاً، تحوّلت إلى تجارة تساهم في توفير بعض المال، علماً أن العقارب تستخدم في الأبحاث الطبية.

في توزر، إحدى المناطق الصحراويّة في الجنوب التونسي، والتي تتمتع بمناخ حار طيلة العام، يخرج بعض الشبان والأطفال في مجموعات لصيد العقارب مع بدء الغروب بأدوات بسيطة هي عبارة عن عيدان وأغصان أشجار صغيرة تستخدم لنبش الجحور، وملقط حديدي وكشاف ضوئي صغير. يخرجون في رحلات صيد قد تستمرّ أحياناً معظم ساعات الليل.

عمران التوزري (16 عاماً) يصطاد نحو 80 عقرباً يومياً. في بعض الأحيان، يخرج بمفرده أو مع بعض أطفال قريته. يجوبون بعض المسالك الصحراوية التي تبعد نحو خمسة أو ستة كيلومترات عن مقر سكنهم، حيث جحور العقارب بجميع أنواعها. يقول إنه أحب هذه الهواية منذ كان في العاشرة من عمره، هو الذي اعتاد مرافقة الشبان في رحلات صيدهم.

في البداية، كانت عائلته تمنعه من الخروج لصيد العقارب. لكنه كان يخرج بحجة اللعب ليعود في ساعات الفجر الأولى حاملاً وعاء بلاستيكياً يضم نحو عشرين عقرباً للتسلية فقط. لكنه كان يطلق سراحها في الصحراء بعدما يراها أصدقاؤه أو جيرانه ممن هم في سنه. أما اليوم، فبات يصطاد ما بين 80 و100 عقرب كل ليلة، ليبيعها إلى أشخاص يبيعونها بدورهم إلى معاهد أبحاث في العاصمة.

وفي منطقة بني خداش، التابعة لمحافظة مدنين (جنوب تونس)، تكثر العقارب ومختلف أنواع الزواحف. وكان السكان بمعظمهم يصطادونها بهدف القضاء عليها كونها تهدّد حياة أطفالهم ومواشيهم. لكن رغم ذلك، بقي الأهل يعانون بسبب ارتفاع أعدادها بشكل كبير، خصوصاً في فصل الصيف.




يشير صالح، أحد سكان المنطقة، إلى أن "العقربة تأكل صغارها البالغ عددهم نحو 100، تاركة واحداً فقط". يضيف أنه لا يمكن اصطياد تلك العقارب الصغيرة لأنه يصعب الوصول إليها في الحفر. في المقابل، يتم اصطياد الأم، ما يؤدي إلى بقاء المائة على قيد الحياة، وبالتالي ارتفاع عددها.

من جهته، يصطاد سليم جمعي (14 عاماً) العقارب في تلك المنطقة منذ عام. وعادة ما يكثّف عمله في الصيف تقريباً بسبب الدراسة في فصل الشتاء. ورغم أنّه لدغ أكثر من مرة، إلا أنّه يهوى هذه المغامرة التي يتنافس فيها مع باقي أصدقائه. خلال رحلته، يحمل معه وعاء بلاستيكياً وكشافاً ضوئياً لأن غالبيّة رحلاته تكون في الليل، في الوقت الذي تخرج فيه العقارب. ولا ينسى الملقط ليمسك به ما يصطاده. ويضع العقارب في صناديق فيها تهوية للحفاظ على حياة العقارب.

يقول سليم إن تلك الهواية لا توفر له مبلغاً كبيراً من المال، إلا أنه يجمع ما بين 15 و40 دولاراً أسبوعياً، ما يجعله قادراً على تأمين بعض مصاريفه الأساسية، من دون أن يوفّر له ذلك مصدر رزق.

تجدر الإشارة إلى أن بعض الأمهات يخفن على أبنائهن بسبب هذه الهواية. لكن على مر السنين، لم يعد الأمر مقلقاً بالنسبة لغالبيتهن. حتى إن الأهالي اعتادوا مشاهدة التنافس بين أبناء الحي، لمعرفة من يقدر على جمع أكبر عدد منها. في هذا السياق، تقول فاطمة خير، إن ابنيها يمارسان هذه الهواية، في ظل عدم وجود وسائل ترفيه في غالبية تلك المناطق. وتضيف أنهما من خلالها يؤمّنان احتياجاتهما الأساسية.

بدأت عادة صيد العقارب في الجنوب التونسي، بالإضافة إلى بعض مناطق الشمال، قبل عشرات السنين، في ظلّ تمتّع هذه المناطق بمناخ جاف، ما ساهم في خلق بيئة مناسبة لغالبية الزواحف، بما فيها العقارب. وعادة ما يكون سكان هذه المناطق قادرين على التمييز بين أنواعها، خصوصاً أولئك الذين يهوون صيدها. وهؤلاء يجمعونها في أوعية بلاستيكية بحسب نوعها وشكلها.

ويتوجه وسطاء إلى هذه المناطق لجمع العقارب من الأطفال. ويخصّص معهد "باستور" مبلغاً من المال لكل طفل، بحسب عدد العقارب التي يجمعها. ويصل عدد العقارب التي يجمعها الوسيط الواحد إلى ما بين 80 و100 ألف عقرب أسبوعياً، يعطيها إلى المعهد، والذي يعمل على استخدام السم لصنع لقاحات مضادة للدغات العقارب. كذلك، يوزّع المعهد 12 ألف لقاح بشكل مجاني في مناطق مختلفة في البلاد، علماً أن الباحثين في المعهد يستخدمون السم في أبحاثهم لاستخراج عقاقير لعلاج السرطان وأمراض المناعة.