كلّ أطفال حلب تيتّموا

كلّ أطفال حلب تيتّموا

29 ابريل 2016
قتل آخر طبيب أطفال في حلب (فرانس برس)
+ الخط -
بالرغم من تحليق الطائرات الحربية في السماء، يقف مواطن سوري خمسيني على أنقاض منزله. يبعد الحجارة بيديه قطعة قطعة، وهو يبحث عن أطفاله تحت الأنقاض. لا يعينه جسده على المتابعة. ينهار باكياً فوق الركام. هذا واحد فقط من مشاهد الرعب التي حملتها الطائرات الحربية السورية والروسية إلى أحياء السكري وبستان القصر والكلاسة، في مدينة حلب الشمالية. هناك ارتكبت الطائرات مجازر مروعة، أمس الخميس وأمس الأول الأربعاء، بحق الأهالي، حتى باتت مناطقهم منكوبة بين ليلة وضحاها.

عدا عن قتل العشرات، حرمت الطائرات الحربية أطفال حلب ممّن يداويهم ويسكّن آلامهم. يتّمت كلّ أطفال المدينة، فقد قتلت طبيبهم محمد وسيم معاذ، الذي كان آخر طبيب أطفال فيها. قصفت الطائرات، مساء الأربعاء، مبنى مستشفى القدس في حي السكري، وكان فيه أطباء وممرضون ومرضى، وصل عددهم حتى مساء أمس، إلى 30 شخصاً قتيلاً، من بينهم ثلاثة أطباء. وعادت لتقصف مناطق سكنية مجاورة، صباح أمس، في كلّ من الكلاسة وبستان القصر.

يقول حيان، الذي يعيش في حي السكري: "حين سمعت أصوات الطائرات، هرعت لأخبئ أطفالي في الغرفة الداخلية. سقط الصاروخ واهتز البناء بأكمله. عرفت حينها أنّ أطفالاً آخرين قتلوا في تلك اللحظة. توقعت أن يكون مستشفى القدس، فهي ليست المرة الأولى التي يقصفون فيها المكان. حاولوا سابقاً قصف مبناها عدة مرات، لكن غالباً ما كانوا يصيبون الأبنية المحيطة. هو المستشفى الوحيد الذي فيه طبيب أطفال في حلب. وهو ما يبرر وجود الكثير من الأطفال هناك".

يتابع: "بعد إدخال أطفالي إلى الغرفة، خرجت من المنزل من أجل المساعدة في الإنقاذ. كنا تحت وطأة الصدمة، وتساءلنا طوال دقائق، إن كان القصف على المستشفى بالذات فأين ننقل المرضى والجرحى؟ فتح بعض الممرضين والكوادر الطبية بيوتهم لاستقبال الجرحى، فيما نقلت الحالات الخطرة إلى نقطة طبية مستحدثة".

من جهته، يقول أبو عبد الرحمن، وهو أحد متطوعي الدفاع المدني في حلب، وقد ساهم في انتشال الضحايا من تحت أنقاض مستشفى القدس، إنّ "عملية الانتشال استمرت طوال الليل تحت جنح الظلام، حتى ظهر أمس الخميس. لم نعرف بدقة عدد من كانوا في المستشفى، لكنّ مئات الناس تجمعوا ليلاً أمامه، ينتظرون معرفة مصير مرضاهم الذين كانوا هناك. للأسف معظم من كانوا في الداخل استشهدوا، انتشلت بيديّ جثث ثلاثة أطفال".


بدوره، يوضح عبدو ريحاوي، وهو ممرض من مدينة حلب: "المستشفى كان يضم نحو 30 سريراً. وهو مخصص لإسعاف وعلاج المدنيين في غرفة الطوارئ. فيه عيادات خارجية وقسم للتوليد، وللعناية المركزة. وكان يعمل فيه 8 أطباء و28 ممرضة". يضيف: "ثلاثة من مؤسسي المستشفى استشهدوا فيه قبل سنتين. واليوم يرحل ثلاثة آخرون. من بقي من كوادره يودع زملاءه ويشهد على هذا العالم الذي ما زال يسمح بقتل الأطباء".

بدورها، دانت منظمة "أطباء بلا حدود" التي تدعم المستشفى منذ عام 2012 قصفه وتفجيره. وأكدت أنّ القصف سيحرم الكثيرين من الرعاية الطبية الأساسية، داعية إلى حماية المستشفيات، ومؤكدة على أنّه لا يجب أن يكون هدفاً للاعتداء. وقالت رئيسة بعثة "أطباء بلا حدود" في سورية، موسكيلدا زانكادا، إنّ "المستشفى كان المركز الرئيسي لرعاية الأطفال المرضى في المنطقة". وتساءلت: "أين غضب من يملكون القدرة على وقف هذه المذابح؟".

بدورها، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ حلب باتت على شفا كارثة إنسانية. واعتبرت أنّ قصف المستشفى يحرم الكثيرين من الرعاية الطبية المنقذة للأرواح، ويدفع ملايين السكان نحو مخاطر كبيرة. وحذرت اللجنة من أنّ تصاعد العنف قد يوقف دعم مراكز إيواء النازحين بالطعام والمياه.

لن نترك هذه الأرض
يتناقل سوريون تسجيلاً مصوراً لطفل لم يتجاوز 12 عاماً، يقف إلى جانب جثة أخيه الأصغر المضرجة بالدماء. يرثوه متمنياً أن يكون مكانه. كما يتناقلون تسجيلاً لرجل ستيني يتحدث باكياً أمام المستشفى، فيقول: "إنّهم يستهدفون المستشفيات. يقتلون النساء الحوامل، والأطفال في الحاضنات. ماذا فعلوا لهم!؟ نحن صامدون، لن نترك هذه الأرض ولن تستبدلونا".