الحكيم أبو صلاح: حدّاد يصنع أطرافاً اصطناعية

الحكيم أبو صلاح: حدّاد يصنع أطرافاً اصطناعية

01 مارس 2017
تراجع عمله (أحمد عبد الرحيم)
+ الخط -
كان الحكيم أبو صلاح يعمل في مدينة دوما التي وُلد وعاش فيها كلّ حياته، إلى أن بدأت الثورة ضدّ النظام السوري، وبدأت قوات هذا الأخير بحصار المدينة وقصفها، ما تسبب بمعاناة كبيرة للمدنيّين. ظروف الحياة الجديدة في ظلّ الحصار، دفعت أبو صلاح، صاحب اللحية البيضاء المعروفة، إلى تغيير عمله. وبدلاً من العمل في الحديد والمعادن، انتقل إلى العمل في صناعة الأطراف، حاله حال شريكه في العمل، الذي كان يعمل في مجال البناء، قبل أن يستلم ورشة مؤسّسة "دوما الخير".

يقول أبو صلاح لـ "العربي الجديد" إنّ فكرة مؤسّسة "دوما الخير" بدأت في الشهر السادس من عام 2013، بعدما علم بوجود نحو 5250 حالة بتر في الأطراف العلوية والسفلى لدى أهالي مدينة دوما، نتيجة قصف قوّات النظام. قال يومها: "يجب رعاية المصابين"، مؤكداً
إلحاح الحاجة لذلك.

يشرح: "كانت الفكرة في البداية صناعة عكاكيز لهم، لكنّ ذلك لم يكن كافياً. راودتنا أفكار كثيرة، وتوصّلنا في النهاية إلى ابتكار طريقة جديدة لصناعة الأطراف". يوضح أنّ الطريقة الجديدة غريبة بعض الشيء "فمن خلال خبرتي، بدأت بصناعة أطراف تشبه المانيكانات التي تستخدم لعرض الملابس في المحال التجارية، وكان لها صدىً كبير، خصوصاً أنّ النتائج كانت رائعة. ولأن الكميّة محدودة، بدأنا نبحث عن بدائل".

لم يكن الحصول على المواد اللازمة للعمل سهلاً بسبب الحصار. وكان أبو صلاح يعتمد على الخردة ومخلّفات الحديد الناتجة عن القصف في صناعة الأطراف. يقول: "في عام 2013، كنّا نعاني حصاراً خانقاً، وكان هناك صعوبة كبيرة في الحصول على المواد الأوليّة اللازمة لصناعة الأطراف. لم يكن في استطاعتنا تأمينها من الخارج بسهولة. لذلك، لجأنا إلى صناعة أطراف من الخردة والمواد المتاحة لدينا، وحرصنا على أن يتمكّن المرضى من استخدام الأطراف وتحريكها بسهولة. أمّا من الناحية الجماليّة، فلم نتمكن من تحقيق شكل جميل. بالنسبة إلينا، هذا أقلّ أهميّة. فالأكثر أهميّة هو أن يتمكّن المصاب من المشي بسهولة".

سعيد بهذه النتيجة (أحمد عبد الرحيم) 


يضيف الحكيم: أنشأت مؤسّسة "دوما الخير" بتمويل شخصي. لافتاً إلى أنّه وضع كلّ ثروته في هذا المشروع المكلف. وفي ذلك الوقت، لم يتوقّع أن تستمر الحرب حتّى هذه اللحظة. يوضح أنّ الناس في دوما لا يستطيعون تأمين قوت يومهم بسبب الحصار، ولا يجد كثيرون فرص عمل، ويسأل: "فماذا يكون حال أولئك الذين بترت أطرافهم؟".



في ظلّ استمرار الحصار والقصف، تعرّض مبنى المؤسسة للقصف من طيران النظام بشكل مباشر، ما أدى إلى تدمير آلات صناعة الأطراف والمواد الأولية المخزّنة في المستودع، والتي تستخدم في صناعة الأطراف. يقول أبو صلاح: "بعدما تعرّضنا للقصف، لجأنا إلى أهل الخير، الذين كانوا يساعدون أهلهم ويمدونهم بالمال ما استطاعوا. ومن خلال المساعدات، استطعنا تجاوز محنة عام 2015، إلّا أنّنا لم نتمكن من إعادة المؤسّسة إلى ما كانت عليه في السابق". يوضح أنّه قبل قصف المؤسّسة "كنّا نصنع طرفاً أو طرفين في اليوم. لكن في عام 2016، لم نصنع أكثر من 13 طرفاً اصطناعياً. في المقابل، ما زلنا قادرين على صناعة أجهزة أخرى، أو تجبير الركبة، لأنّ المواد متوفرة. كذلك، نتولّى صيانة الكراسي المتحركة والأطراف القديمة".

يقرأ في وصفاته الطبية (أحمد عبد الرحيم) 


في عام 2016، تراجعت أعمال الحكيم بسبب نفاد المال واستمرار الحرب والحصار. يقول: "كنّا نستعين بمجموعة من ذوي الخبرة، وقد وصل عددهم إلى 27 عاملاً. لكنّ مع نفاد السيولة، لم يبق لدينا أي عامل أو متطوع. جميعهم بدأوا البحث عن عمل آخر بسبب ضغوط الحياة، وبقيت أنا وشريكي".

إلى ذلك، سعى الحكيم إلى تطوير مؤسّسته، من خلال افتتاح قسم "الطبّ العربي" أو "الطب بالأعشاب"، بالإضافة إلى العلاج الفيزيائي. ويلفت إلى أنه اكتسب الخبرة في هذا المجال من والده، الذي يبلغ من العمر 95 عاماً، وقد اهتمّ بتعليمه الوصفات الطبيّة منذ كان طفلاً.
يقول الحكيم أبو صلاح، إنّه كتب 6250 صفحة عن الطب البديل، وقد نقلها عن والده على مدى سنوات. يضيف أنّه في ظلّ الظروف الحاليّة الصعبة، كان لهذه الصفحات دور كبير في مساعدة الناس. ويذكر أنّه في عام 1988، كان قد تعلّم العلاج الفيزيائي. ومنذ 20 عاماً، يساهم في علاج الناس مجاناً، بالإضافة إلى عمله. فهو كان يرغب وما زال في مساعدة الناس.

إلى ذلك، كان لـ "العربي الجديد" لقاءات مع عدد من المصابين الذين يعالجهم "الحكيم". يقول أبو محمد: "كنتُ أُعاني من إصابة في العامود الفقري. وبعدما سمعت كثيراً عنه، قصدته، وقد تحسّنت حالتي كثيراً بسبب جلسات العلاج التي أخضع لها". أما الطفلة دعاء، فقد تمكنت من السير على قدميها مجدّداً. تعرّضت دعاء إلى بتر ساقها نتيجة غارة جويّة نفّذها طيران النظام السوري على المدينة. ولم تتمكّن فرق الإنقاذ والأطباء من إنقاذها، وقد قضت القذيفة على عظامها الطريّة.