روسيا نحو رفع سن التقاعد

روسيا نحو رفع سن التقاعد

05 يوليو 2018
مسنان في روسيا (ملادين أنتوتوف/ فرانس برس)
+ الخط -
مع إحالة الحكومة الروسية الجديدة مشروع قانون رفع سن التقاعد إلى مجلس الدوما (النواب) الروسي، زادت حدة الجدال في البلاد بين من يرى ضرورة لهذا الإصلاح بهدف زيادة رواتب التقاعد، وآخرين يرونه غير عادل ويمس بحقوق المواطنين.

وفي حال اعتماد مشروع القانون هذا، ستبدأ الزيادة التدريجية لسن التقاعد اعتباراً من العام المقبل، ليصل إلى 65 عاماً للرجال و63 عاماً للنساء، بدلاً من 60 عاماً للرجال و55 عاماً للنساء حالياً.

وفي ظل احتدام الجدال في روسيا حول خطط الحكومة لرفع سن التقاعد بشكل تدريجي، يزداد رفض الروس هذا القرار، وأظهر استطلاع أجراه صندوق "الرأي العام" مطلع يونيو/ حزيران الماضي، أن 82 في المائة من المستطلعة آراؤهم يعارضون هذا الإصلاح في مقابل تأييد 9 في المائة فقط.

يعزو رافضو رفع سن التقاعد موقفهم إلى عوامل مثل تراجع احتمال البقاء على قيد الحياة حتى سن التقاعد في حال زيادتها، وانخفاض فرص التوظيف مع التقدم في العمر وحتى قبل السن الحالي للتقاعد والبالغ 60 عاماً للرجال و55 عاماً للنساء. ويرى 19 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن الحكومة تريد رفع سن التقاعد بسبب نقص الأموال، و16 في المائة يعزون الأمر إلى عدم رغبتها في صرف الرواتب، و11 في المائة لسعيها إلى سدّ الثغرات في الموازنة، و3 في المائة لسعي المسؤولين إلى التربح على حساب الأشخاص العاديين.

ووصل الأمر إلى الدعوة لتنظيم احتجاجات في عدد من المدن الروسية رفضاً لزيادة سن التقاعد. وكانت قد رُفعت شعارات ساخرة مثل: "لماذا ليس 90 عاماً؟"، و"نذهب إلى العمل من دون أن نتذكر إلى أين!!!". وفي مطلع يوليو/تموز الجاري، شهد عدد من المدن الروسية موجة جديدة من الاحتجاجات بمشاركة آلاف الأشخاص، ولكنها لن تثني الحكومة، على ما يبدو، عن قرارها.



ويرى الناشط اليساري إيغور ياسين، أن هناك مجالاً في الميزانية الروسية لتجنب رفع سن التقاعد من خلال خفض النفقات العسكرية والأمنية، وفرض ضريبة تصاعدية على الأثرياء. ويقول لـ "العربي الجديد": "روسيا إحدى أغنى دول العالم، لكنّ الجزء الأكبر من ثرواتها يتركز بين أيدي الأوليغارشية، وهناك نحو 100 شخصية تزيد ثروة كل منها عن مليار دولار".

وحول رؤيته لكيفيّة تجنب رفع سن التقاعد، يقول: "بدلاً من رفع سن التقاعد، يجب زيادة الرواتب، وخفض النفقات العسكرية التي تبلغ نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتعدّ إحدى أكبر الميزانيات الدفاعية في العالم، وتقليص النفقات الأمنية، وربط أجور الموظفين في الحكومة وشركات القطاع العام بمتوسط الأجور في البلاد، ومساءلتهم عن مداخيلهم ونفقاتهم على حد سواء".

من جهة أخرى، يرى نائب مدير معهد التحليل الاجتماعي التابع للأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، فلاديمير نازاروف، أن رفع سن التقاعد بات ضرورة ملحة في ظل ارتفاع متوسط أعمار السكان وتراجع نسبة الشباب.

ويقول لـ "العربي الجديد": "لا مفر من رفع سن التقاعد، والأمر يتطلب إرادة سياسية. متوسط
أعمار السكان يزداد، و55 عاماً سن منخفضة جداً لتقاعد النساء وليس لها مثيل في العالم. إذا لم نقدم على رفع سن التقاعد، فلن تتسنى لنا زيادة رواتب التقاعد إلا في حدود نسبة التضخم، بينما يجب الارتقاء بمستوى معيشة المتقاعدين على نحو كيفي".

وحول رؤيته لآلية رفع سن التقاعد بشكل سلس، يضيف: "يجب رفعها بشكل تدريجي بواقع نصف عام سنوياً، وألا تزيد نتيجة للإصلاح عن 62 - 63 عاماً. ويستحسن تقليص الفرق بين سن التقاعد للرجال والنساء، إذ إن فارق الخمس سنوات غير مبرر".

وبدت الحكومة الروسية على مدى السنوات الماضية، متأنية في البدء برفع سن التقاعد، إذ تردد الحديث عن مثل هذا الإصلاح أكثر من مرة، من دون أن يتحقق على أرض الواقع. إلا أن النسبة المرتفعة (76%) التي فاز بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار الماضي، زادت من جرأة الحكومة الجديدة في إجراء إصلاحات حازمة، وفق توقعات السكان.



وفي 14 يونيو/ حزيران الماضي، أعلن رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، وبشكل رسمي، عن خطط لرفع سن التقاعد، على أن يستمر الإصلاح حتى عام 2028 لرفع سن التقاعد للرجال، وحتى عام 2034 للنساء، معرباً عن ثقته بأن روسيا هيّأت الظروف لذلك. وأكد على زيادة وتيرة رفع رواتب التقاعد بمقدار الضعف تقريباً.

وأظهرت دراسة حديثة أنه في ظل زيادة نسبة المسنين في روسيا، فإن الحفاظ على متوسط رواتب التقاعد الحالي (نحو 35 في المائة من متوسط الأجور)، سيتطلب زيادة التحويلات من الميزانية الفدرالية إلى صندوق الرواتب من 3.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، إلى 3.6 في المائة بحلول عام 2050، ما لم يرفع سن التقاعد.
ووفقاً للنظام المعمول به في روسيا حالياً، فإن الراتب المستقبلي للموظف يتكون من الرسوم التي يسددها صاحب العمل بالنيابة عنه، وذلك بواقع 22 في المائة من دخله السنوي.

دلالات