موظفو تونس متغيّبون دائماً

موظفو تونس متغيّبون دائماً

24 ابريل 2016
أكثر المتغيبين هم في قطاع التعليم(فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في تونس نحو 430 ألف موظف في القطاع العام. لكنّ هذا العدد الكبير من الموظفين يقابله ارتفاع كبير في نسبة التغيّب عن الدوام، بحسب تقارير عدد من الجمعيات الناشطة في مكافحة الفساد. وسواء كان التغيّب لأسباب صحية أو أسباب أخرى فهو يعطل سير العمل، ويؤثر بشكل كبير على إنتاجية المؤسسات ومصالح المواطنين.

التغيّب عن العمل لأسباب صحية مبرَّر قانونياً، لكنّ الإدارات تشهد ظاهرة تغيّب عشوائي من دون مبرر. كما أنّ التغيّب المرضي بحدّ ذاته بات محل تشكيك وتحقيقات وزارية.

تشير دراسة أنجزتها "الجمعية التونسية لمكافحة الفساد" في أغسطس/ آب 2015 إلى أنّ أيام العمل لا تصل إلى أكثر من 105 أيام من أصل 365 يوماً لدى الموظفين العامين. تشير الدراسة إلى أنّ المؤسسات الحكومية تضمّ نحو 430 ألف موظف، يتمتعون بيومي إجازة في الأسبوع، بالإضافة إلى الإجازات السنوية، ونظام الحصة الواحدة في موسم الصيف الذي يمتد ثلاثة أشهر.

يكشف رئيس الجمعية إبراهيم الميساوي لـ"العربي الجديد" أنّ معدل تغيّب الموظفين داخل الإدارات ارتفع بنسبة 60 في المائة، وأنّ موظفاً من بين 5 يعمل، فيما يكتفي الأربعة المتبقون بالحضور.

على صعيد آخر، يشير الميساوي إلى أنّ تغيّب النساء في القطاع العام يفوق بكثير تغيب الرجال. يضيف أنّ أغلب المتغيبين يتحججون بقضاء أمور شخصية لا يستطيعون القيام بها خلال الدوام.


المرض سبب أوّل
أكثر القطاعات التي رصد فيها ارتفاع التغيب قطاع التعليم. يقول وزير التربية ناجي جلول إنّ عدد طلبات الإجازات المرضية التي تقدم بها المدرسون خلال السنة الدراسية الماضية بلغ خمسة آلاف طلب. يؤكد أنّ الكثير منها غير قانوني، وهو ما دفع الوزارة إلى إقرار تعيين أطباء يتأكدون من حقيقة مرض المدرسين، خصوصاً أنّ كلفة الغياب المادية تصل إلى 100 مليون دينار تونسي (50 مليون دولار) سنوياً.

يأتي ذلك بعد عملية تدقيق أخيرة في التغيّب المتكرر بداعي المرض. وتبيّن بنتيجتها تورط قائمة كبيرة من الأطباء بمنح مدرسين وموظفين تربويين تقارير طبية تزوّر مرضهم. من بين هؤلاء الأطباء طبيب في محافظة القصرين كشفت الوزارة أنّه قدّم خلال هذا الموسم الدراسي بالذات أكثر من ألف تقرير طبي لموظفين في وزارة التربية. كما كشفت أنّ طبيباً آخر في محافظة قابس سلّم بدوره هذا العام نحو 700 تقرير طبي. طبيب آخر في محافظة سوسة حرّر تقريراً لصالح موظف في وزارة التربية بالرغم من وجود الأخير في السجن.

من جهتها، أصدرت وزارة الصحة أخيراً دراسة خاصة بالتغيّب غير القانوني في صفوف موظفيها لعام 2015. وبينت من خلال الإحصاءات أنّ هناك أكثر من 360 ألف تغيّب سنوي لموظفي الوزارة، أي ما يعادل 1000 تغيّب يومياً. وتوزعت التغيّبات على أكثر من 70 ألف إجازة مرضية عادية، ونحو 6 آلاف إجازة مرضية طويلة المدى. كما بلغت الإجازات النسائية نحو 4500 إجازة. وبلغ عدد الإجازات غير الشرعية نحو 6 آلاف.

4.5 ملايين يوم ضائع
التغيّب المتكرر بتقارير طبية ليس بظاهرة جديدة، إذ أشارت دراسة أجراها صندوق التأمين على المرض، إلى أنّ السنوات الثلاث السابقة للثورة التونسية عام 2011 شهدت تطوراً كبيراً في عدد الإجازات المرضية، إذ تجاوزت 94 ألف إجازة عام 2009. كما قدّرت الدراسة نفسها نسبة الأيام الضائعة بنحو 4.5 ملايين يوم ضائع في السنة بالنسبة للأمراض قصيرة الأمد، وبـ2.5 مليون يوم ضائع بالنسبة للأمراض طويلة الأمد، وذلك باحتساب مجمل عدد أيام التغيّب لكلّ الموظفين.

كما بلغ عدد حوادث العمل المصرح بها سنوياً 44 ألف حادث، سواء في مقر العمل أو في الطريق المؤدية إليه، علماً أنّ ذلك يترتب عليه ضياع أكثر من مليون يوم عمل أيضاً.
من جهته، أكد وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد كمال العيادي ارتفاع نسبة التغيّب عن الوظيفة. وأشار إلى أنّ التصدي لظاهرة التغيّب، وكذلك الحضور السلبي في الإدارات العامة، يجب أن يجري بهدوء، وفق مقاربة يشترك فيها جميع الأطراف ذوو العلاقة. وذلك عبر تشخيص الوضع وتدقيقه، لإدراك حجم ظاهرة التغيّب وسوء استخدام الموارد البشرية والكفاءات، بالإضافة إلى الحوار مع مسؤولي الإدارات في مختلف أنحاء البلاد بهذا الخصوص.