فاطمة عثمان: ليتنا بقينا في فلسطين

فاطمة عثمان: ليتنا بقينا في فلسطين

15 ابريل 2018
"هل أستطيع أن أنسى؟" (العربي الجديد)
+ الخط -
هي اليوم في عقدها التاسع، وما زالت تتذكّر أدقّ تفاصيل ما جرى من دون أن تتمكّن من استيعابه. الحاجة فاطمة مجيد عثمان من بلدة عمقا (قضاء عكا) في فلسطين، عاشت النكبة منذ بداياتها، لكنّها لم تتوقع أنّها سوف تضطر إلى الرحيل عن بلادها وإلى تذوّق مرارة الغربة وقسوة الأيام في خارجها.

والحاجة فاطمة، بحسب ما تخبر "العربي الجديد"، لم تتعلّم في يوم القراءة ولا الكتابة ولم تقصد مدرسة. تقول: "هكذا كانت عادات أهل البلد (عمقا) في ذلك الوقت. لم تكن البنات يذهبنَ إلى المدارس، خوفاً عليهنّ. وعندما تكبر البنت قليلاً، تُزوّج وتذهب إلى بيت زوجها".
في فلسطين، تزوّجت فاطمة الصغيرة في سنّ مبكرة جداً. "لم يكن والدي يريد تزويجي. لكنّه طلق والدتي، فزوّجتني أمي خوفاً عليّ. زوّجتني من رجل كان متزوجاً من امرأة أخرى. لقد ظلمتني بذلك الزواج".

وسريعاً، تتحوّل الحاجة فاطمة من تفاصيل حياتها الشخصيّة إلى النكبة والتهجير اللذَين خبرتهما. تقول إنّه قبيل النكبة، "كانت في بيت كل واحد من أهالي البلد (عمقا) بندقية، بهدف الدفاع عن النفس في حال وقوع أيّ هجوم. لكنّ فلسطين ذهبت من دون حسيب ولا رقيب". تضيف أنّها خرجت من فلسطين مع عائلتها عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، "وقد دخل علينا حينها جنود من جيوش عربية. قالوا لنا: اخرجوا وسوف تعودون بعد أسبوع إلى بلدتكم (عمقا). لم نحمل معنا أيّ شيء من مقتنيات البيت، لأنّنا كنّا نظنّ أنّنا سوف نعود لاحقاً. حملنا فقط بعض الأمتعة الخاصة وركبنا الجمال وتوجّهنا نحو منطقة الدروز في فلسطين. مكثنا فيها فترة لا تتعدّى أياماً قليلة، لنتوجّه بعدها صوب جنوب لبنان. أخذنا معنا ثوراً وحماراً، وسكنا في منطقة بنت جبيل. بقينا هناك لمدّة ثلاث سنوات، ومنها انتقلنا إلى بلدة جويا الجنوبية. بعض الفلسطينيين استأجر منازل، وراح يدفع بدل الإيجار ممّا حمله معه. لكنّنا لم نكن نعيش مثلما كنّا نفعل في فلسطين. الشخص منّا كان يملك أراضي وبساتين، وكنا نعيش في رغد. وبعد ذلك، توجّهنا إلى مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، حيث عشنا تحت الشوادر".




تقول الحاجة فاطمة: "ليتنا بقينا في فلسطين ولم نعش حياة الذل والهوان التي نعيشها اليوم في المخيمات الفلسطينية حيث لا حقوق ولا عمل ولا راحة بال ولا اطمئنان. ليتنا لم نخرج من بلدنا". وتتابع: "لو حارب العرب معنا، لما استطاع الصهاينة احتلال أرضنا. لكنّ العرب باعوا فلسطين وباعونا معها".

وتكمل الحاجة فاطمة سردها بشيء من الحرقة، وتقول: "عندما وصلنا إلى مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، تابعنا حياتنا، في حين مات ناس كثيرون، إمّا بسبب الحروب المتتالية وإمّا بسبب قصف الطيران الإسرائيلي. وأتت خسائرنا كبيرة. وكانت الواحدة تتلو الأخرى. وخسرنا كذلك شباباً لا يُعوّضون". وتتحدّث عن "ثلاثة شباب من أقربائي خسرتهم بسبب الحرب، إلى جانب آخرين قضوا قتلاً. خمسة عشر رجلاً قتلوا من عائلتنا، منهم من قضى في مخيّم تلّ الزعتر، ومنهم من قضى في مخيّم عين الحلوة. واكتوت قلوبنا حسرة عليهم". لكنّ حسرة الحاجة فاطمة أكبر من كلّ ذلك. وإذ تتمنّى اليوم العودة إلى فلسطين، تؤكد "لكنّني لن أنسى ولدَيّ اللذَين استشهدا. وهل أستطيع أن أنسى؟!".




اللجوء مرّ بالنسبة إلى الحاجة فاطمة وإلى سواها من الفلسطينيين كبار السنّ الذين يعيشون في المخيّمات حيث تتوالى أحداث تعيد المرارة إلى هؤلاء. وتقول الحاجة فاطمة: "هنا في المخيّم يتقاتلون، ولا أدري لماذا يقتل بعضهم بعضاً. ولا أدري إلى من توجَّه البندقية ونحن ما زلنا في بلاد اللجوء. أولادنا استشهدوا على أيدي الصهاينة والعملاء، واليوم يُقتل الشباب بأسلحة فلسطينية ونهجّر من جديد. لكن هذه المرّة، إن هُجّرنا، فنحن لا ندري إلى أين تكون وجهتنا. قد يكون البحر، لأنّنا نسينا بلادنا فلسطين ونسينا أنّها محتلة، وصار لزاماً علينا الخوف والمحافظة على المخيّم حتى نضمن أنّنا ما زلنا شعباً على قيد هذه الحياة".