2 إبريل

2 إبريل

02 ابريل 2019
... ونحاول الاندماج في مجتمعات اعتادت النبذ (مهدي حسن/Getty)
+ الخط -

في بيت مؤلّف من طبقتَين، يركض صبيّ بريطانيّ وقد بدا مرتاعاً من الكاميرا. ربّما كان حاملها هو الذي يفزعه وليست هي بحدّ ذاتها. لا يتجاوز الصغير السابعة من عمره. نظراته تتّجه كيفما اتّفق، في حين يصدر أصواتاً "عجيبة" ويحرّك يدَيه بطريقة "عجيبة" كذلك. تقترب أمّه منه وتحاول التحدّث إليه بنبرة صوت هادئة وحاسمة في الوقت نفسه. يسكن الطفل بعض الشيء، قبل أن يتنبّه من جديد إلى الكاميرا وحاملها ثمّ يعود إلى اضطرابه. حامل آلة التصوير، ذلك المتطفّل، اجتاح عالم الصغير فأربكه.

هو مشهد أوّل من فيلم وثائقيّ حول التوحّد. الفيلم ليس جديداً، إنّما يعود إلى نحو 15 عاماً ويحاول تقديم إجابات حول تساؤلات كثيرة تحيط بذلك الاضطراب، لا سيّما أسبابه. حينها تعرّفتُ إلى التوحّد، وكان الجدال محتدماً حول تورّط اللقاح الثلاثيّ - الحصبة والنكاف والحصبة الألمانيّة - فيه. الفيلم لم يأتِ متحيّزاً إلى تلك النظريّة ولا إلى غيرها، فعرض آراءً مختلفة حول المسألة من دون أن يخرج بأيّ خلاصات، أمّا مهمّتي فكانت تتلخّص بترجمة الفيلم الذي تنوي عرضه إحدى قنوات التلفزة العربيّة.

بعد نحو ثلاثة أعوام، كان لقاء مع مديرة الجمعيّة اللبنانيّة للتوحّد أروى الأمين حلاوي، حكت في خلاله تجربتها مع ابنها عبّاس. طوال حديثها مع ما رافقه من انفعالات رصينة، كانت ذاكرتي تسترجع مشاهد من ذلك الفيلم الوثائقيّ... الصغير وسلوكه "العجيب" وأمّه التي طوّقته بذراعَيها محاولةً إخماد واحدة من نوباته. الأمّهات هنّ القادرات على تهدئة روع أبنائهنّ في مثل تلك الحالات. هذه حقيقة لا تحتاج إلى دراسات من أجل تأكيدها. لا شكّ في أنّ ثمّة استثناءات، دائماً، غير أنّ تلك حقيقة لمستُها في ذلك العام. حينها تعرّفتُ إلى التوحّد عن كثب، وقد شاءت الصدف أن يُشخَّص صغير غالٍ بالاضطراب "العجيب" ويصير "بطلي".




قبل أقلّ من شهر واحد، نُشِرت نتائج دراسة حديثة واسعة النطاق تحسم بعدم ارتباط اللقاح الثلاثيّ بالتوحّد. لا شكّ في أنّ أفلاماً وثائقيّة جديدة سوف تُعَدّ في السياق، وأخرى في سياقات أخرى ذات صلة. لا شكّ في أنّ أطفالاً سوف يشعرون بالفزع من كاميرات ومصوّرين، بينما تحاول أمّهاتهم إخماد نوباتهم وتهدئة روعهم في أحضانهنّ. لكنّ تصويرهم أمر لا بدّ منه، حتى يتعرّف الناس أكثر إلى اضطرابهم. لا بدّ من توضيح الصورة وكشف الحقيقة.

في الثاني من إبريل/ نيسان، يُحتفى باليوم العالميّ للتوعية حول التوحّد. أنحاء كثيرة من العالم تتّشح اليوم بالأزرق، في محاولة - ولو خجولة - لتسليط الضوء على صغار خطف التوحّد ابتساماتهم. في الأزرق تشديد على ضرورة احتضانهم ودمجهم. هم مختلفون. أمر صحيح. ألسنا جميعنا كذلك؟! بلى، ونحاول الاندماج في مجتمعات اعتادت النبذ.

دلالات

المساهمون