مأساة بين أيادي أطباء سورية

مأساة بين أيادي أطباء سورية

13 ابريل 2016
لم ينجح في علاج جميع الجرحى (ميغيل ميدينا/فرانس برس)
+ الخط -
مثل مختلف شرائح المجتمع السوري، وربّما أكثر، عانى العاملون في القطاع الطبي من استهداف مباشر لحياتهم بسبب مهنتهم، وخصوصاً من قبل النظام السوري. وبعد خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، صار أطباء سورية معتقلين أو شهداء أو لاجئين. وبحسب منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، تعرضت المنشآت الطبية في سورية لـ 346 هجوماً على 246 منشأة طبية، وقتل 705 من العاملين في هذا المجال منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار عام 2011، وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2015.

وتؤكّد المنظمة أن النظام السوري والقوات المتحالفة تتحمّل المسؤولية الأكبر عن هذه الهجمات، مضيفة أن النظام قتل 667 من العاملين في المجال الطبي، فيما قتل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" 13 آخرين، وسقط 11 على أيدي قوات المعارضة، وواحد على أيدي القوات الكردية. في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" عدداً من أطباء سورية ليتحدثوا عن تجاربهم سواء في الاعتقال أو العمل في المجال الطبي بعد اندلاع الثورة.

ويؤكّد الطبيب أحمد (اسم مستعار)، ويبلغ من العمر 33 عاماً، وهو الآن لاجئ في ألمانيا، أنه عمل في عدد من المستشفيات الميدانية في كل من داريا والحجر الأسود في محافظة دمشق، قبل أن تعتقله استخبارات النظام أثناء عمله بعدما وشى به أحد الممرضين المتعاونين مع النظام. يقول: "اعتقلت في سبتمبر/أيلول عام 2011 بتهمة العمل في مستشفيات ميدانية. وخلال التحقيق معي في فرع الخطيب أو الفرع 251 التابع لإدارة الاستخبارات العامة، أُضيفت إلى ملفي تهم أخرى، وهي إضعاف الشعور القومي والانتماء إلى مجموعات سياسية غير مرخصة والتحريض على التظاهر وشتم شخصيات مهمة في الدولة". يضيف: "أريد الحديث عن بعض القصص التي لن أنساها في المعتقل. عانيت في فرع الخطيب من شتى أنواع التعذيب على مدى ثلاثة أشهر، وقد وضعت في السجن الانفرادي مدة شهر ونصف الشهر". ويلفت إلى أنه لم يبكِ خلال الاعتقال إلا مرة واحدة، وذلك أثناء رؤيته طفلاً يبلغ من العمر 12 عاماً بين المعتقلين. يقول: "لم يتوقف الطفل عن البكاء مدة عشرة أيام. في كل مرة، كان يقول للسجان بأن يدعه يذهب ليوصل الخبز إلى أمه".

يعود للحديث عن نفسه، قائلاً إنه نقل إلى إدارة الاستخبارات العامة في كفرسوسة، وبقي في المهجع 15 يوماً. بعدها، نقل إلى مهجع آخر فيه 78 طفلاً اتهموا بالهجوم على حاجز أو قصف طائرة أو حيازة دبابة. في الليل، يبدأ بكاؤهم. "حاولت التخفيف عنهم لكن من دون جدوى". رأى جروحهم بسبب "الفلقات" والجَلد، عدا عن الحروق في الأيادي والوجوه بسبب السجائر. "أصر طفل من اللاذقية أن يكتب اسمه ورقم هاتف أهله على حذائي كي أخبر أمه أنه ما زال على قيد الحياة إن خرجت قبله".



أما الطبيب سامر (31 عاماً)، فيقول: "في بداية الثورة، عملت مع التنسيقيات. وكوني جراحا مبتدئا في أحد المستشفيات الحكومية في دمشق، كنت تحت المراقبة لأنني أتولى إسعاف الجرحى الذين تطلق قوات الأمن النار عليهم. كنا نسرق بعض المعدات الجراحية من المستشفى ونأخذها إلى المستشفيات الميدانية. هذا في النهاية من مال الشعب. بقينا على هذه الحال حتى بدأوا بتفتيشنا أثناء مغادرة المستشفى. في إحدى المرات، أطلقت قوات الأمن النار على متظاهرين في منطقة جوبر، وكنت الطبيب الوحيد الذي وصل إلى المنطقة. وجدت أمامي شاباَ مصاباً بتمزق في الطحال بسبب إطلاق النار عليه. في ذلك الوقت، لم أكن قد أجريت أكثر من عملية استئصال زائدة، لكن الشاب كان ينزف بشدة، ولم يكن هناك ما يكفي من وحدات الدم، وكان علي أن أفعل أي شيء. حاولت التخفيف من النزيف ووضعت الشاش على الطحال وأغلقت البطن أملاً في أن أتمكن من نقله إلى أي مستشفى آخر. لكنني علمت أنه توفي بعد ساعة من مغادرتي".

بدوره، يقول الطبيب علي (40 عاماً) لـ "العربي الجديد": "كنت مناوباً مسؤولاً عن العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة. وصلت فتاة من إحدى بلدات درعا، أصيب وجهها بشظايا شوّهته بالكامل. في درعا، بذل عدد من الجراحين جهودهم لإنقاذ حياتها، قبل نقلها إلى العناية المركزة في المستشفى التي أعمل فيها. كانت تعاني من قصور في التنفس ونزيف دماغي. كانت المرة الأولى التي تمنيت فيها لمريض أن يموت بأسرع وقت ممكن. من يمكن أن يجري عملية زرع وجه لها بينما العالم مشغول بالإدانة والاستنكار؟ ماتت الفتاة بعد أيام. لن أكذب. فرحت لوفاتها أكثر من حزني عليها".

في الإطار نفسه، يقول الطبيب ماهر المتخصص في جراحة المسالك بولية: "اعتقلت من مستشفى ابن النفيس في دمشق بتهمة العمل في مستشفى ميداني في منطقة المعضمية في دمشق. هناك مكثت نحو عام في فرع الاستخبارات الجوية في مطار المزة العسكري، من بينها ثلاثة أشهر في زنزانة مخصصة للحبس الانفرادي مع 15 معتقلاً آخرين بينهم أطباء ومهندسين وموظفين وعمال من مختلف المحافظات. وكان الأكثر إيلاماً تعذيب والد أحد المعتقلين أمامه". يضيف: "بعد الإفراج عني، توجهت إلى منزل والدي في حلب، وبقيت ثلاثة أشهر لا أستطيع النوم من دون تناول الأدوية المهدئة. كابوس السجن لم يكن يفارقني. حاولت الخروج من هذه الحالة وبدأت العمل في المناطق المحررة مع إحدى الجمعيات لمكافحة الليشمانيا. سقط برميل متفجر على مقر الجمعية ونجوت. بعدها توجهت إلى تركيا".