دار الإحسان... مرضى السرطان بين أيادي "ملائكة"

دار الإحسان... مرضى السرطان بين أيادي "ملائكة"

02 سبتمبر 2017
ساهمت الدار في مساعدة كثيرين (أحمد كمال)
+ الخط -

لأنّ مرضى السرطان يحتاجون إلى رعاية مضاعفة، كانت دار الإحسان في الجزائر. هذه الدار تستقبل المرضى الآتين من ولايات بعيدة، وتؤويهم إلى حين انتهاء فترة علاجهم. هكذا يعيش المرضى وسط "ملائكة" ويتشاركون آلامهم وهمومهم في جو ينبض بالحياة.

"لا أحد يشعر بألمهم، ولا يمكن لأي كان التعبير عنه". يقول نبيل لعراجي، وهو من ولاية خنشلة، لـ "العربي الجديد". هذا الرجل، الذي عرف معاناة عشرات مرضى السرطان في بلدته بوحمامة، يحاول وبعض أعيان المنطقة، تأمين العلاج للمرضى في الخارج، أو تقديم المساعدات المادية والنفسية للتخفيف عنهم.

يستعرض لعراجي حادثة بسيطة، وهو يبحث عن مكان في مستشفى في قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، لمريضة تعاني من السرطان، من أجل إتمام علاجها على نفقة الدولة، وتخفيف أعباء التكاليف المادية عنها. هذه المريضة سألته: "أين يسكن ملائكة البشر؟ أليس في الجزائر ملائكة يمشون بيننا ويمدون لنا يد المساعدة؟"، في إشارة إلى جميع الأشخاص الذين زاروها في المستشفى، والذين قدموا لها المساعدة، خصوصاً أنها يتيمة.

هذه المرأة التي تبلغ من العمر 38 عاماً، وجدت ملائكة الرحمة في أرض الجزائر، وتحديداً في "دار الإحسان" في ولاية البليدة (45 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية)، بعدما تاهت في مناطق في الشرق الجزائري، قبل أن يستقر بها الحال في هذه الولاية لمتابعة علاجها، وضمان متابعة يومية، بعيداً عن الضغوط والظروف الاجتماعية السيئة، خصوصاً أن الدار التي أنجزت قبل خمس سنوات لها قصة، وقد جمعت قصص مرضى كثيرين من كل ولايات الوطن، وتحديداً أولئك الذين يتعذر عليهم السفر يومياً من وإلى ولاياتهم، فتستقبلهم الدار طيلة فترة العلاج.

شعور بالراحة

ورغم أن الدار لا تكفي لسد احتياجات المرضى الوافدين من مختلف الولايات على مركز علاج السرطان في ولاية البليدة، إلا أنها تمكنت من تغطية بعض احتياجات العشرات منهم. تقول سمية، القادمة من منطقة تيارت، لـ "العربي الجديد": "في أول يوم لي في مركز علاج السرطان، نهضت نحو الساعة الثالثة فجراً، حتى أتمكن من إيجاد سيارة أجرة والوصول إلى المستشفى وبدء جلسة العلاج بالأشعة. كان موعدي عند الساعة العاشرة صباحاً، عليكم أن تتصوروا حالتي وأنا أعاني من تداعيات العلاج الكيميائي الذي استغرق أكثر من عشرة أشهر، لأواصل العلاج بالأشعة. لم أفكّر في طريق العودة، وإذا ما كنت سأتمكّن من تحمل العلاج، أو أضطر للبقاء في البليدة، إذ كنت مجبرة على الالتزام بعشرين جلسة". تضيف: "لحظتها، لم أفكر إلا في الألم، وتأثيرات العلاج".

لم تكن قد سألت مرضى آخرين عن العلاج بالأشعة، لكنها أرادت أن تكون متفائلة. وبعد انتهاء الجلسة الأولى، أخبرتها إحدى الممرضات عن دار الإحسان التي تستقبل مرضى السرطان من المدن الداخلية والبعيدة، وتتكفل بتأمين الطعام والمبيت حتى انتهاء فترة علاجهم، فشعرت بالراحة. وجدت كل ما تحتاج إليه في الدار. "هنا يتقاسم الجميع الحلم نفسه، وهو العيش من دون ألم". توجهت سمية إلى الدار وسجلت اسمها وقبلت في "جنة الأرض حيث ملائكة الرحمة".



هذه هي الدار

تسيير هذه الدار يقع على عاتق جمعية مرضى السرطان بولاية البليدة "بدر". وأطلقت الفكرة مجموعة من رجال الأعمال والأطباء، الذين رفضوا التصريح لـ "العربي الجديد". أما حاجب الدار، وهو رجل طاعن في السن، فيوضح أن فكرة إنشاء الدار المؤلفة من ثلاثة طوابق تعود لأحد الأطباء، الذي توفيت زوجته بمرض السرطان، فقرر إنشاءها لفائدة المرضى الذين هم في حاجة إلى مأوى واهتمام أثناء فترة العلاج. يضيف أن الفكرة تحققت على الأرض بفضل مساعدات المحسنين من أطباء ورجال أعمال. في الدار غرف للمبيت ومطعم، إضافة إلى جناح خاص بالرجال وآخر بالنساء. وتقبل المساعدات من أموال وأغذية وغيرها، التي يمكن أن تكون ذات فائدة للمرضى.

تحتوي الدار على طابق أرضي، حيث يستقبل الزوار، ويمنع على أي شخص الصعود إلى غرف المرضى، لضمان راحتهم وعدم إزعاجهم. يقول الحاجب إن "هذا المكان ينبض بالحياة". كذلك، حصلت الدار على هبة من قبل أحد التجار، وهي عبارة عن سيارتي إسعاف، لنقل المرضى منها إلى مركز علاج السرطان. يوضح أن هذه الهبة ليست الأولى من نوعها، بل هناك عشرات المساعدات التي كانت مفيدة للمرضى.

تجاوز الآلام

البعض وجد ضالته في "دار الإحسان"، كما يقول حسين (45 عاماً)، لـ "العربي الجديد". ويلفت إلى أن قاعة الرياضة التي خصصت للمرضى مفيدة جداً. قبل مجيئه إلى هذا المكان، لم يكن يمارس الرياضة، لكن تغير كل شيء اليوم. وهو على يقين بأن الرياضة تساعدة على إحراز تقدم في العلاج.

اللافت في الدار التابعة لجمعية مساعدة مرضى السرطان "بدر"، والعاملة في ولاية البليدة، أنها جمعت تبرعات بسيطة في البداية. ومع مرور الوقت، باتت أكثر قوة. في هذا السياق، تقول زهية القادمة من ولاية الأغواط، جنوب البلاد، إنها تعرفت على عدد من النساء في الدار، وتقاسمت معهن تجربتها وآلامها. أكثر من ذلك، كوّنت معهن علاقات قوية، وصارت تطمئن عليهن، والعكس، حتى حين يغادرن الدار. بالنسبة إليها، ساهم ذلك في تخفيف آلام المرضى. فالمريض حين يسمع تجربة مريض آخر، يصبح أكثر قدرة على تجاوز المرض.

إذاً، ساهم هذا المكان في مساعدة المرضى على تجاوز آلامهم. هذا ما تقوله المعالجة النفسية وهيبة بوزيد لـ "العربي الجديد". تضيف أن مشاركة المشاعر المتعلقة بجلسات العلاج تتحول إلى عامل قوة للمرضى، إضافة إلى الحديث عن هواجسهم. هذا بمثابة عامل تفريغ للألم، يهوّن على المريض ما يعانيه. كما أنه عادة ما يكون المرضى أكثر قدرة على التعامل مع بعضهم بعضاً، على عكس الأهل في بعض الأحيان.

وتؤكد أن دار الإحسان هي نموذج من نماذج العلاج الناجحة في التخفيف من آلام المرضى، وهي عنوان للتكافل، وهو ما يحتاج إليه المرضى ويدفع إلى تحسّن وضعهم شيئا فشيئا. كما تشجع على فتح مراكز لاستقبال المرضى.

المساهمون