بين الحمى والمحميات

بين الحمى والمحميات

07 سبتمبر 2019
محمية الباروك في لبنان (رمزي حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -
يكثر التساؤل في هذه الأيام حول الفرق بين الحمى والمحميات الطبيعية ومحميات المحيط الحيوي. لا بد وأن سؤال كهذا إنما يدل على اهتمام متزايد عند الناس لكي يتعرفوا إلى الأعمال الإدارية والسبل التي تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي والمحافظة عليه. والفرق بين الحماية والمحافظة هو أن الأخيرة تعني العمل المستدام من أجل حماية الأنواع الحيوانية والنباتية.

من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن نظام الحمى هو من أقدم نظم الحماية التي عرفها القدامى، والتي كانت تنتشر في المجتمعات المنتشرة من الخليج إلى شمال أفريقيا. ويعدّ نظام الحمى صديقاً للبيئة، ويقوم على توزيع المنافع بالعدل بين أعضاء المجتمع، حيث توزع المياه دورياً على الأفرقاء في الأفلاج (أنهر صغيرة) على سبيل المثال، وتستخدم المراعي مداورة بين الرعاة بمعنى أن تستثمر قطعة أرض ويتم الإبقاء على الأخريات للعام التالي.

باختصار، إنه نظام ينطلق من القاعدة إلى الأعلى، أي أن السكان يديرونه من أجل مصالحهم ومن دون دفع الموارد إلى النضوب والاضمحلال. مع نظام الحمى، هناك دمج للمحافظة على الموارد البيولوجية تحت مظلة إدارة علمية واستخدام تقليدي حكيم من خلال معايير ومواد إرشادية للإدارة المحلية. ويختلف هذا النظام عن المحميات الطبيعية لأن الأخيرة تنطلق من القمة باتجاه القاعدة، لكنها تعمل باستمرار على توثيق العلاقات الجيدة مع المجتمعات المحلية وأصحاب المصالح بهدف تحقيق الحماية والمحافظة. فالحوكمة في المحميات الطبيعية يتولاها خبراء تنقصهم المعلومات المحلية ويبحثون عنها. أما في نظام الحمى، فإن المعلومات المحلية متوفرة ويديرها خبراء متواضعون يتسلحون بالتجارب الحالية وتجارب أسلافهم التي ورثوها عنهم.

وقسّم الاتحاد العالمي لصون الطبيعة IUCN المحميات الطبيعية إلى خمس فئات وهي: 1أ: المناطق المحمية بشكل صارم حيث تقيد أفعال الإنسان من أجل حماية التنوع البيولوجي والبيئي، و1ب: المناطق المحمية البرية العذراء التي لم يترك الإنسان أثراً يذكر فيها. 2: المناطق المحمية المسماة منتزهات وطنية، والمخصصة لحماية العمليات والأنظمة الإيكولوجية وخدماتها. 3: المناطق المحمية ذات المعالم التذكارية والمعالم الطبيعية المميزة. 4: المناطق المحمية لإدارة موائل وأنواع معينة وحمايتها، وهي الفئة الأكثر تمثيلاً في لبنان والعالم العربي. 5: المناطق المحمية ذات المشهد الطبيعي أو البحري حيث أدى تفاعل الناس والطبيعة على مر الزمن إلى إنتاج منطقة ذات طابع مميز وذات قيمة إيكولوجية وبيولوجية وثقافية ومناظر طبيعية مهمة في حاجة إلى حماية، والمناطق المحمية ذات الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية حيث تحتفظ المناطق المحمية بالنظم الإيكولوجية والموائل إلى جانب القيم الثقافية المرتبطة بها ونظم إدارة الموارد الطبيعية التقليدية.



إضافة إلى الحمى التي تتناسب مع عادات القبائل والمحميات التي تعلنها الحكومات، هناك محميات المحيط الحيوي التي عادة ما تكون كبيرة أو عابرة للحدود وحتى عابرة للقارات. ويتم إعلان محميات المحيط الحيوي هذه من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" لأنها تتبع برنامج اليونسكو للإنسان والمحيط الحيوي، وتعمل بموجب ثلاثة مبادئ مترابطة وهي حماية الجينات الوراثية والأنواع والأجهزة الإيكولوجية بصرامة في منطقة الوسط أو القلب، وتشجيع الاختبارات والأبحاث العلمية في المنطقة العازلة، ومساعدة المجتمعات المحلية في منطقة التنمية، أي في القرى والتجمعات السكنية على اتباع سبل التنمية المستدامة.

وينتشر هذا النوع من محميات اليونسكو في عدد لا بأس به من الدول العربية من المحيط إلى الخليج. وفي لبنان، هناك ثلاث محميات محيط حيوي تعد اثنتان منها (أرز الشوف وجبل موسى) من المحميات المميزة على المستوى العالمي، وقد حصلتا على جوائز عدة ونالتا صفة
محميات رائدة ونموذجية ومثالية.

(متخصص في علم الطيور البريّة)

المساهمون