الحلقة الأضعف

الحلقة الأضعف

18 سبتمبر 2019
يُشار إليهنّ دوماً بصيغة المجهول (حسين بيضون)
+ الخط -

أبدت إحداهن امتعاضها من ازدياد وزن عاملة المنزل لدى صديقتها، فأجابت الصديقة بعنفوان مقصود: "لا أحرمها من الطعام". تلك الجملة فتحت باب "المفاخرة" بين المجتمِعات في جلسة نساء يجمعهن بالأساس وجود الأبناء في مدرسة واحدة، إضافة إلى "تشغيل" عاملات لتدبير شؤون منازلهن.

وتدفقت العبارات عن مواقف "حسن" المعاملة وكأنها "نياشين" على صدورهن، من قبيل "لا أقفل باب الثلاجة بالمفتاح مثلما يفعل غيرنا"، "اشتريت لها ملابس فور وصولها"، "أسمح لها بمشاهدة التلفزيون"، "أسمح لها بالاتصال بعائلتها مرة في الشهر"، "لا نضربها أبدا"... إلخ. ولكن سرعان ما انقلب الحديث إلى مثل "لا أسمح لها بعطلة أسبوعية"، "لا أبقي الهاتف معها أبداً"، "أمنعها من بناء صداقات"، "تأكل ولا تشبع"، "نامت قبل مغادرة الزوار"، "غبية ولا تفهم" وغير ذلك.

تلك الفئة من العاملات والعاملين يشار إليها دوماً بصيغة المجهول، كأن ليس لأصحابها أسماء. فعائلات كثيرة من باب الاستسهال تغيّر أسماء العاملات بحجة صعوبته أو غرابته، وتبحث لهن عن اسم بديل يكون مختصراً لأسمائهن حيناً، أو لا يمت له بصلة أحياناً أخرى. وهذه أولى خطوات استباحة الهوية والإرغام على التطبع بالواقع الجديد. ورغم ذلك تبقى الواحدة منهن بلا اسم في المحادثات، فهي إما "الخادمة" أو "الخدّامة" أو "الشغالة" أو"الصانعة" أو...، وإما تلقب بحسب جنسيتها فتصبح "الإثيوبية" أو "الفيليبينية" أو غير ذلك.

وتتعامل غالبية الأسر مع العاملة وفق صور ذهنية تخالف الواقع إجمالاً. فرب العمل يفترض أنها "خارقة" للطبيعة، تعمل ولا تتعب، وإن تعبت فالعيب فيها، وإن شكت فهي متطاولة، وإذا مرضت فهي مدّعية، وإن طالبت براحة أسبوعية فهي طمّاعة تخطط لمطالب أخرى. أما توقها للخروج من البيت فدافعه واحد برأيهم وهو العلاقات الجنسية. وتلاحقها التهمة إن بكت أو حزنت أو اشتاقت أو عنِّفت أو أهينت.




إنها صدمة ثقافية تحصل لدى طرفي العلاقة. المستقدِم، على الأغلب، لا يبدو مستعداً للتعامل مع "آخر" مختلف عنه في العادات واللغة والتربية والمفاهيم، لذلك يجتهد في تطبيعه وإلغاء خصوصياته. والقادِمات لديهن توقعات مسبقة مبنية على تجارب سابقة تحمل قدراً من الخوف والترقب والحيطة. وبما أنهن "الحلقة الأضعف" فعليهن واجب الطاعة والتخلي عمّا "يزعج" الأسرة في المأكل والملبس والكلام، وحتى في ممارسة الطقوس الدينية والمعتقدات.

أذكر ذلك الشاب المغترب الذي جاء ليزور بيت عمّه في لبنان بعد غياب طويل. كان يتعجب من كثرة المهام المطلوبة من عاملة المنزل لديهم على مدار الساعة. وحين فاض به قال: "تنظيف سقف البيت هو الأمر الوحيد الذي لم يطلب منها بعد".

المساهمون