"المرفعين"

"المرفعين"

23 مايو 2019
تعاني الطبيعة بسببنا (Getty)
+ الخط -
لدى السودانيين "المرفعين" كما لدى المصريين "السلعوة". يقال إنّه الحيوان الأسطوري "تشوباكابرا" الوارد في العديد من الأعمال الفنية والحكايات. ويعتقد البعض أنّه نتاج للتزاوج ما بين ذئب وضبع، وينفي البعض ذلك بحجة اختلاف عدد الصبغيات في الضباع والذئاب، مؤكدين أنّ التزاوج بين الذئاب والكلاب جائز لتشابه الصبغيات.

"المرفعين" ملأت سيرته حكايات الكبار، عندما كنا صغاراً، فكانوا يرددونها على مسمع منا بقصد إخافتنا، وحمايتنا من شقاوة ومغامرات الطفولة، ففي الغابات مخاطر جمة.

كنا ننفذ حملة توعية بيئية حول أهمية الحفاظ على الغابات في موقع تدهورت موارده الغابية كثيراً، عندما طلبت مني مجموعة مسرحية محلية تزويدها بفكرة عمل مسرحي تؤديه خلال أيام الحملة، فكانت مسرحية "المرفعين" التي تجسد تدرج الإنسان في علاقته مع الطبيعة، من طور التقديس والخوف والابتهال لقواها المختلفة، إلى طور السيطرة على قواها والتعرف إلى قوانينها، وصولاً إلى إيذائها والفتك بها.

تقول الحكاية إنّ رجلاً هجر قريته بعدما أُدين في جريمة ما، فقصد غابة بعيدة وسكن فيها، لكنّه عانى من صراعه مع "المرفعين" ليالي طويلة، ما جعله يقضي النهارات في قطع الأشجار حول مسكنه ليتمكن من رؤية الوحش المتربص به.

بعد أيام اهتدى إلى صوت الفأس صاحب عربة نقل تعطلت عند طرف الغابة، فجاء يطلب الطعام والماء والمؤانسة ريثما تصله قطعة الغيار فيصلح عربته. خلال اللقاء، حكى القروي قصته تحت إلحاح الضيف الذي ضحك مبيناً أنّه - للمفارقة - يُلقب بـ"المرفعين" لأنّ الاسم مكتوب على صندوق سيارته. بعد إصلاح السيارة عُقدت صفقة تجارية قضت بتحميل العربة بالأخشاب المتراكمة التي قطعها القروي مع وعده بأنّه سيجهز كمية أخرى للرحلة المقبلة. وها قد أصبح يقطع الأشجار لـ"المرفعين"، بعدما كان يقطعها خوفاً من "المرفعين".




يورد الكاتب أحمد السعد أنّ الإنسان ظلّ يعايش البيئة بخوفٍ ووجلٍ وترقبٍ، وهي تهدده ببراكينها وعواصفها وزلازلها، ووحوشها. ولم يكن يتأخر عن تقديم قرابين الطاعة والتقرّب حتى يأمن غضبها وتقلباتها، وفي الوقت نفسه كان يستخرج فيه طعامه وشرابه منها، ويبني مسكنه. وبعدما كان صراعه معها صراعاً من أجل الحياة وتحقيق القدر الأدنى من متطلبات البقاء، لضمان حفظ نوعه من الانقراض والزوال، انقلب السحر على الساحر، وصارت الضحية تمارس دور الجلاد. وبات هذا الطموح الإنساني للسيطرة على الطبيعة يلهي ويشغل عن مقدار الدمار والتلوث الذي يمارسه البشر ضد الطبيعة، والذي ظهرت آثاره المدمرة على الجانبين (الإنسان والبيئة)، بل تهدد مستقبل العيش عِلى كوكب الأرض، من دون أن يكون هناك مجال لأساطير جديدة، مثلما كانت في معارك الإنسان ضد الطبيعة في الماضي فرص لنسج الخرافات والأساطير.

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات

المساهمون