حياً أو ميتاً.. أعيدوا ابني الذي ضاع في رابعة

حياً أو ميتاً.. أعيدوا ابني الذي ضاع في رابعة

14 اغسطس 2015
في انتظار أعزّاء فُقِدوا (الأناضول)
+ الخط -

730 يوماً انقضت مذ فُضّ اعتصام مؤيّدي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، في ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر في 14 أغسطس/ آب 2013، الذي راح ضحيّته نحو ألفَي قتيل وأصيب فيه خمسة آلاف جريح، على يد قوات الأمن المصرية من جيش وشرطة.

تحلّ الذكرى الثانية للفضّ، والألم يعتصر قلوب مئات الأسر المصرية، ليس على خلفيّة مقتل أبنائها أو إصابتهم في أكبر مجزرة شهدتها مصر في تاريخها الحديث، وإنما هو ألم من نوع آخر أشدّ قسوة. هو ذلك الشعور الذي ينتاب الأسر عندما لا تعرف إن كان أبناؤها أحياءً أم أمواتاً. هي أسر المفقودين التي لم تعثر بعد على أبنائها منذ عمليّة الفضّ، جثثاً كانوا أم جرحى أم معتقلين.

عمر طالب الهندسة

محمد حماد من هؤلاء الذين يُعانون من هذا الألم. هو والد عمر الذي كان قبل سنتَين طالباً في كيلة الهندسة في جامعة الأزهر. في يوم الفضّ، خرج من منزله وقصد جامعته، للحصول على نتائج الامتحانات. يقول الوالد المفجوع: "ابني ضاع في الغابة، التي ظننا أنها دولة فيها مسؤولون". يضيف: "حتى الغابة أكثر رحمة من الواقع الذي نعيشه اليوم. أسد الغابة، لا يقسو غالباً على حيوان ضعيف".

ويتابع والأسى يعتصره: "طرقنا كل الأبواب ولم يجبنا أحد. لم يراعِ أحد الكارثة التي نعيشها. ابني، فلذة كبدي، لا أعلم عنه شيئاً منذ عامَين. لا أعلم إن كان حياً أم ميتاً". ويتحدّث حماد عن "غلظة قلوب المسؤولين"، قائلاً إن "النائب العام السابق هشام بركات الذي صادق على قرار فضّ الميدان بالقوة، كان قاطعاً في رفضه مقابلتنا كلما قصدنا مكتبه محاولين الحصول على أي معلومة من شأنها أن تحيي فينا أمل رؤية أبنائنا مرّة أخرى". ويصف حماد حاله وأسرته: "نحن موتى نتحرّك على الأرض. نتمنى التأكّد من مصير ابننا، أو الاقتصاص من المسؤولين قبل وفاتنا".

ياسمين "البنوتة"

على الرغم من لوعته على ابنه، إلا أن حماد يصرّ على رواية حالة اختفاء أخرى في يوم وقوع المجزرة. يقول: "هي أكبر من مصيبة فقدان عمر. هي بنوتة صغيرة تبلغ من العمر 15 عاماً، تدعى ياسمين محمد عبد الغني. هي من مدينة حوش عيسى في محافظة البحيرة، وقد اختفت في يوم الفضّ ولا يعلم عنها أهلها شيئاً حتى اليوم". يضيف: "مثلنا، هم يريدون فقط أن يعرفوا إن كانت حيّة أم ميتة، حتى يستخرجوا شهادة وفاة لها". ويكرّر: "تخيّلوا أسرة فقدت أثر ابنتها الصغيرة منذ عامَين".

محمد الذي ينتظره صغيراه

إلى عمر وياسمين، تُضاف حالة محمد إبراهيم. هو يبلغ من العمر 39 عاماً، ولمعاناة أسرته الصغيرة خصوصيّتها. في كلّ ليلة، منذ 14 أغسطس/ آب 2013، ينتظر ولداه قدومه. أحدهما في السابعة من عمره، أما الآخر ففي الحادية عشرة. هما يتوقّعان أن يطرق والدهما باب المنزل بين لحظة وأخرى. 370 يوماً انقضت وما زالا ينتظرانه وكلهما أمل.

زوجته رضوى تنتظره أيضاً. تخبر أنه في يوم الفضّ، رأى عدد من الأشخاص زوجها حياً. "وبعد انتهاء المجزرة وحريق المستشفى الميداني، كان قد اختفى". لم تفقد أمل العثور عليه، هو "المختفي قسرياً في أحد السجون"، بحسب ما تظنّ. وتقول: "نحن مجموعة مؤلّفة من نحو 15 أسرة نتحرّك معاً. وفي خلال محاولاتنا وبحثنا، عثرنا بطريقة غير رسمية، على اثنَين (من الأبناء والأهل) كانا معتقلَين في سجن العازولي العسكري في السويس، في حين كانت إدارة السجن تنكر وجودهما فيه".

وتشكو رضوى من معاناتها مع "الطواف" ـ بحسب ما تقول ـ على جهات الدولة الرسميّة "بدءاً بوزارة الدفاع وصولاً إلى مجلس الوزراء. أفادونا بأن ليس للأخير سلطة على وزارة الدفاع، وحتى وزير الداخلية أكد لنا أن لا أحد من أبنائنا وأهلنا موجود في السجون". تضيف: "محمد زوجي كان من أوائل الشباب الذين شاركوا في ثورة 25 يناير (2011). ووالده هو ضابط سابق في القوات المسلحة وقد شارك في حرب (أكتوبر/ تشرين الأول) 1973".

وتلفت رضوى إلى أن "آخر مرة قصدنا فيها النائب العام السابق هشام بركات، كان ذلك قبل وفاته (29 يونيو/ حزيران 2015) بنحو أسبوع. وبعدما قال لنا إنه ملّ من سؤالنا عن أهلنا، عرض علينا إصدار شهادات وفاة لهم. وهو ما رفضناه". وتشدّد قائلة: "الحالة الوحيدة التي نقبل فيها باستصدار شهادة وفاة لمحمد، هي أن يأتوا لنا بجثمانه.. لعلنا نرتاح من الأمل الزائف".

محمود تاجر الفيّوم

محمود عبد السميع (36 عاماً) هو تاجر من محافظة الفيّوم، ومأساة أخرى يرويها شقيقه الأصغر. يقول محمد وهو يبكي: "أمي سوف تموت حزناً على ابنها الأكبر. هو قصد الاعتصام في 26 أغسطس/ آب، وبعد يومَين، عند نهاية عمليّة الفضّ، أغلق هاتفه المحمول". يضيف: "توجّهنا في اليوم التالي إلى القاهرة وتحديداً إلى مسجد الإيمان، في محاولة للبحث عنه. هناك كانت تُحفَظ جثث ضحايا المجزرة. لم نعثر عليه. بعدها تنقلنا بين كل مستشفيات القاهرة، من دون جدوى". وفي وقت لاحق، خضعت العائلة إلى تحليل الحمض النووي (دي إن أيه)، "إذ قيل لنا إن ثمّة جثثاً متفحّمة عديدة، من جرّاء احتراق مستشفى رابعة ومسجده. لكننا لم نتوصّل إلى أي نتيجة".

يخبر: "منذ عامَين ونحن نتعرض إلى محاولات نصب وابتزاز من بعض المحامين. هم يحاولون الحصول على أموال في مقابل معلومات. أحدهم مثلاً قال لنا إن محمود موجود في سجن العازولي. عشنا على هذا الأمل لستة أشهر، قبل أن نفيق على زيف كذبه".

ويشكو محمد: "أمي سيدة طاعنة في السن، فقدت ابنها الأكبر، الذي ترك خلفه أربعة أولاد، ابنان وابنتان. وقبل أربعة أشهر، تلقّت صدمة عنيفة عندما عُثِر على جثة شقيقي الآخر الذي يصغر محمود بثلاث سنوات، ملقاة على شاطئ بحيرة قارون في الفيوم. هو بدوره خلّف وراءه ثلاثة أطفال". وبأسى يتابع: "بيتنا اخترب. كل ما نريده في موضوع محمود أخي المختفي، هو أن نعرف إذا كان حياً أم ميتاً. إذا كان ميتاً احتسبناه عند الله، وإذا كان حياً نريد معرفة مكانه حتى ولو كان سجيناً، حتى نتخلص من الألم الذي نعيشه ليلاً نهاراً. نحن فلاحون، وفقدنا رجلاً كبيراً. نريد فقط معرفة مصيره".

محاولات إحصاء خائبة

أحصت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" 400 أسرة مصريّة لا تعلم إن كان أبناؤها أحياءً أم أمواتاً. هم ما زالوا مفقودين، منذ مجزرة فضّ رابعة. وبالرغم من جهد بعض المنظمات الحقوقية لحصر عدد هؤلاء، إلا أنه - وبعد مرور عامَين - ما زال العدد الدقيق محلّ جدال كبير. يُذكر أن ثمّة رواية تقول بتجاوزهم الألفَين، ويتبناها عدد من ذوي هؤلاء.

اقرأ أيضاً: رائحة الدماء ما زالت تخنق الميدان