"التفتوفة" تثير طمع شباب الجزائر

"التفتوفة" تثير طمع شباب الجزائر

30 أكتوبر 2017
لا بدّ من استراحة (أحمد كمال)
+ الخط -
في الواحد والعشرين من كلّ شهر، يجد محمد (71 عاماً) نفسه محاطاً بعناية لا مثيل لها من قبل ابنه الشاب الذي ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر. فهذا هو اليوم الذي تدخل "التفتوفة" أي المبلغ الشهري الذي يتقاضاه والده المتقاعد، الذي اشتغل لأكثر من 35 عاماً في أحد المصانع الحكومية في عين تيموشنت (غرب). ويشكو محمد من المبلغ الذي يتقاضاه والذي لا يتجاوز ثلاثين ألف دينار شهرياً أي ما يعادل 130 يورو، فهو يراه "ذلاً وعاراً" بينما "يطمع به الأولاد"، وهم عاطلون من العمل ويرون في تلك الدنانير مصروف جيب يمكّنهم من تناول قهوة وسيجارة في مقهى قريب.

يقول محمد: "مكره أخاك لا بطل". فهذا الرجل الذي أتعبته الحياة على حدّ تعبيره، لا يستطيع تأمين عمل لأولاده ولا هو قادر على منع مصروف الجيب عنهم. ويصرّ على العطاء وتلبية مطالب البيت كاملة، على الرغم من أنّ ما يتقاضاه "لا يكفي لتلبية حاجيات البيت ودفع فواتير الكهرباء والغاز والماء وغيرها".



إلى ذلك، ثمّة معاش تقاعدي يتقاضاه بعضهم من الخارج، فرنسا على سبيل المثال، لقاء عمله هناك لمدّة معيّنة، بعد هجرته خصوصاً عقب الاستقلال. وهو الأمر الذي يتسبّب في شرخ كبير داخل الأسرة الجزائرية وخلق أزمات بين أفرادها. فما يتقاضاه ربّ الأسرة باليورو، يخصّص به أحد أبنائه أكثر ممّا يفعل مع الآخرين، إذ إنّه لا بدّ من تفضيل واحد على الآخرين، بحسب ما يشير كثيرون. بالتالي فإنّ هذا المعاش التقاعدي كفيل بخلق عداوات وحسد بين أفراد الأسرة الواحدة، لا سيّما وأنّه بالعملة الصعبة. الجميع ينتظر بأن يجود المتقاعد بقليل ممّا يحصّله.

تجدر الإشارة إلى أنّ الأسر الجزائرية تعرف اليوم ظروفاً معيشية صعبة مع ارتفاع الأسعار بالإضافة إلى المصاريف المرتبطة بمناسبات عدّة اجتماعية أو دينية. وهو ما يدفع كثيرين إلى التعويل على المعاش التقاعدي. فهذا المعاش يدفع الشباب إلى الاتكال على والدهم أو والدتهم المتقاعدة، لا سيّما في حال لم يجدوا فرصة عمل. هكذا صارت آلاف الأسر تستند إلى هذا المعاش، الأمر الذي يفسّره المتخصص في علم النفس الاجتماعي ناصر رحال قائلاً إنّ "القضية تتعلق بتعوّد الشاب على مدخول شخص آخر، بينما هو مرتاح وغير مضطر إلى العمل".

ويوضح رحال لـ"العربي الجديد" أنّ "تلك الراحة والحصول على المال من دون أيّ تعب، يجعلان الشاب يراه بلا قيمة. ويصير ذلك المعاش التقاعدي الذي يدخل إلى جيوب كبار السنّ، محطّ اهتمام أسرته الصغيرة والكبيرة على حدّ سواء، فيلجؤون إليه في السرّاء قبل الضرّاء".



تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين هم الذين يحاسبون المتقاعد ويحسبون كم يتقاضى شهرياً من دون أن يشتغل. وأكثر من ذلك، هم يحسدونه على كسبه المال من دون جهد، متناسين أنّ ما يحصل عليه اليوم هو نتيجة الجهد الذي بذله طوال سنين.

في السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع سليمة بونار لـ "العربي الجديد" إنّ "الأوضاع التي تعيشها الأسرة الجزائرية في ما يتعلق بمعاش المتقاعدين، أحدثت جدالاً داخل بعض الأسر الجزائرية". وتشرح أنّ "بعضهم يعتمد على تقاعد والده وبعضهم الآخر يعتمد على تقاعد والدته، حتى وإن كان فتاتاً، خصوصاً في ظلّ البطالة التي تفشّت بين الشباب في المجتمع الجزائري". وتؤكّد بونار أنّ "المعاش التقاعدي يثير مشاحنات بين الإخوة".

وفي حين يثير المعاش التقاعدي الخاص بكبار السنّ الفتنة ويجعل لعاب الأبناء يسيل، خصوصاً في ظلّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في الجزائر، تُطرَح تساؤلات كثيرة، لعلّ أبرزها: ماذا بعد انقطاع ذلك المعاش؟ فما يتقاضاه شهرياً المتقاعدون هو سند يساعدهم على تخطّي حالة اليأس فيما يجلسون من دون عمل، إذ يمنحهم شعوراً إيجابياً كبيراً بأنّهم ما زالوا قادرين على "العطاء". وهذا الشعور قد لا يدركه سوى هؤلاء الذين ودّعوا وابتعدوا عن مكاتبهم ومعاملهم ومصانعهم بعدما ارتبطوا بها لأكثر من ثلاثين سنة، ليجدوا أنفسهم اليوم وسط فراغ وتحت ضغوط احتياجات عائلاتهم التي تنتظر اليوم الذي يقبض فيه ربّ الأسرة المتقاعد أو ربّة الأسرة المتقاعدة "الكموسة". وهذه مفردة من اللغة الشعبية الجزائرية كذلك، تُطلَق على هذا النوع من المعاشات التي تُجمع يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد السنة قبل أن يتقاضاها المتقاعد بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل.