الحجر المنزلي يعمّق عزلة المسنّين في بريطانيا

الحجر المنزلي يعمّق عزلة المسنّين في بريطانيا

27 مارس 2020
حصلت على مبتغاها (جف جي ميتشل/ Getty)
+ الخط -

في ظلّ استمرار تفشي فيروس كورونا الجديد في بريطانيا، تسارع الحكومة في بذل جهود، للمساعدة في حماية مليون ونصف مليون من الأشخاص الأكثر ضعفاً في البلاد، مع حثهم على عدم الخروج من المنزل لمدة 12 أسبوعاً على أقل تقدير.

تعمل بريطانيا، في سعي منها لمكافحة فيروس كورونا الجديد، على إنشاء شبكة من المحاور المجتمعية في جميع أنحاء البلاد، لضمان وصول الإمدادات الغذائية إلى الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، من كبار السن ومن يعانون من حالات طبية خطيرة. وتشمل الشبكة الأشخاص المعرضين للخطر أولئك المصابين بأنواع معينة من مرض السرطان، وحالات رئوية تنفسية شديدة والأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع الأعضاء.

تشمل الشبكة مجالس البلدية والصيادلة وأفراد القوات المسلحة والمتطوعين من عامة الناس. وتهتم صيدليات المجتمع بتسليم الأدوية، أمّا البقالة والأدوات المنزلية الأساسية فستتولى أمر توصيلها المجالس المحلية وموزّعو المواد الغذائية، بالتعاون مع محلات السوبرماركت. ومن المقرّر أن تترك هذه الطرود على عتبات أبواب المتلّقين.

ويأتي ذلك بعد تحذير رئيس الوزراء، بوريس جونسون، من أنّ بريطانيا يمكن أن تكون خلف إيطاليا في أسبوعين فقط، وأنّ خدمات الصحة الوطنية قد تعجز عن استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين. وتحسّباً لأيّ خطر، كان جونسون قد طلب من الناس عدم زيارة أحبائهم بمناسبة عيد الأم، الأسبوع الماضي، واتباع إرشادات التباعد الاجتماعي.

ويوجد في المملكة المتحدة أكثر من مليوني شخص ممّن تجاوزوا 75 عاماً يعيشون بمفردهم. وما يثير القلق، ليس فقط حصولهم على حاجاتهم الأساسية، بل معاناة نحو مليون منهم من الإحساس القاتل بالوحدة. وهو ما يحذّر منه البروفيسور السير موير غراي، الخبير في الشيخوخة الصحية، الذي يدعو إلى عدم ترك كبار السن وحدهم في المنازل. يقول غراي: "العزلة والوحدة عاملان رئيسيان لخطر الإصابة بالخرف، ويمكن لفيروس كورونا الجديد أن يعقد هذا الأمر. من المهم أن يبقى الناس مشاركين ونشطين".



على صعيد آخر، تعمل الجمعيات الخيرية الخاصة بكبار السن على مساعدة أولئك الذين لا أهل لهم ولا أحد على الإطلاق. وفي رسالة للمديرة التنفيذية ستيف هارلاند، من جمعية "آيج يو كي" اطلعت عليها "العربي الجديد" قالت إنّ كبار السن يُنصحون بعدم استقبال الزائرين وتجنّب لقاء العائلة والأصدقاء لحمايتهم. وهذا يعني أنّ الملايين يواجهون وقتاً بائساً ومخيفاً وحدهم، فضلاً عن أنّ أعداداً كبيرة منهم تُعاني من أمراض وصعوبات. لذلك هناك خطر حقيقي من أن هذه الحالة الصحية الطارئة تجعل هذه التحديات أسوأ بشكل لا يطاق. تابعت هارلاند أنّ بعض كبار السن محظوظون ولديهم عائلة وأصدقاء. لكنّ أكبر مصدر قلق للجمعية يتعلّق بالملايين من كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، وليس لديهم عائلة وأصدقاء على الإطلاق. ومن المهم أن نتذكّر أنّ معظم الاشخاص الذين بلغوا سن 75 عاماً فما فوق لا يستخدمون الإنترنت، وبالتالي لا يمكنهم الاتصال فعلياً بالعالم خارج جدران بيوتهم. وربّما يكون الدعم عبر الهاتف أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لهم في الأشهر الصعبة، باستثناء أولئك الذين يعانون من ضعف السمع.

وفي جولة لـ"العربي الجديد" على عدد من المتاجر للاطلاع على أحوال كبار السن، وكيفية تدبيرهم أمورهم، كان هناك عدد ملحوظ منهم يحاول التبضّع وحده، وكانوا أكثر طلباً للمساعدة، ممّا كانوا قبل انتشار فيروس كورونا الجديد. بدا هؤلاء حائرين، قلقين يسعون إلى شراء أشياء يعتبرونها أساسية بالنسبة لهم. ولا يجرّون عربات كبيرة بل يحملون سلالاً صغيرة. وخلال الجولة القصيرة، اقترب أحدهم يطلب مساعدته في الوصول إلى مسكّن للألم، ويستفسر حول عدد العلب التي يُسمح له أن يشتريها. لم يكن يضع كمامة أو قفازين، واقترب بما يكفي ليتبين أنّه يجهل المسافة التي ينبغي أن تفصل بين الناس. كان يشكو من ألم ظهره المستمر، وحاجته الماسّة للمسكّن، وغاب عن باله أنّه من الممكن أن يلتقط الفيروس وهو يتكئ بين الفينة والأخرى على الرفوف. وفي رواق آخر، وقفت مسنّة تنظر إلى الرفوف شبه الفارغة، وتتلفّت من حولها بحثاً عن مساعدة. نادت مراسلة "العربي الجديد" لاعتقادها أنّها تعمل في المكان، وسألت: "أين اختفى السكر ولماذا معظم الرفوف فارغة؟".



اللافت أنّ مسنين كثراً قد يجهلون حتى الآن المخاطر التي تحدق بهم أو كيفية الوقاية من الفيروس، والبعض لا علم له على الإطلاق بما يحدث في العالم. وتحدّثت "العربي الجديد" إلى موظفة في سوبرماركت "موريسونز" التي توضح أنّهم حدّدوا وقتاً للتبضّع لكبار السن في الصباح، ولا طوابير خاصّة بهم. وأشارت إلى أن باستطاعتهم تجنّب الوقوف لمدّة طويلة قد لا يحتملها بعضهم، في حال قدومهم في الساعات الأولى من الصباح للتبضّع. لكنّها تلفت إلى أنّ كثيرين منهم ينامون إلى وقت متأخر. تتابع: "هم لا يعملون، يجب أن يكونوا قادرين على الاستيقاظ مرّة واحدة في الأسبوع في وقت مبكر، لشراء ما يحتاجون إليه قبل أن يزدحم المكان وتفرغ الرفوف ويضطروا إلى الوقوف في طوابير طويلة لا قدرة لهم على تحملها". وتضيف: "لا نستطيع أن نساعدهم أكثر من ذلك".

المساهمون