أهالي السويداء يتسلحون

أهالي السويداء يتسلحون

30 يناير 2019
يتخوف السكان من الأسوأ (فرانس برس)
+ الخط -
تعاني جميع المناطق السورية من نتائج الصراع الدامي الدائر في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، إذ لم تنجُ منطقة من الصراع حتى تلك التي لم تدخل مباشرة إليه كحال محافظة السويداء، في جنوب سورية، ذات الغالبية الدرزية، التي تعاني اليوم من انتشار السلاح والأعمال غير القانونية، في ظلّ الخوف الناجم عن تهديدات النظام باستخدام القوة لفرض الخدمة العسكرية على أبناء المحافظة.

زاهر، شاب في بداية عامه التاسع عشر، ترك المدرسة قبل عامين لأسباب اقتصادية. يرفض فكرة الخدمة العسكرية، لأسباب عديدة، أولها اقتصادي فراتب الجيش لا يكفي ثمن سجائر له، وعائلته فقيرة لا تستطيع الاستغناء عما يدرّه عمله من مال، لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم. تمكن حتى الآن من امتلاك عدد من القنابل اليدوية، وعمّا قريب سيمتلك بندقية، كما يقول لـ"العربي الجديد": "أشعر أنّني وعائلتي في خطر دائم، لذلك نحتاج إلى السلاح، حتى أشقائي بات لديهم سلاح، واقتطعنا ثمن الأسلحة من قوتنا اليومي، لندافع به عن أنفسنا وعائلتنا".

مشاعره مختلطة ولا يغيب عنه القلق والإحساس بعدم الأمان: "إن كان لا بد من الموت فسأموت على أرضي، ولن أسمح لهم باعتقالي لتأدية الخدمة العسكرية، وإن كلفني الأمر حياتي". يتابع: "لماذا أذهب؟ ألكي أجوع وأتعرض للإساءة وليجوع أهلي أكثر، أو أُقتل، ثم يتفق النظام والروس وإيران ومشغلو الفصائل وينتهي كلّ شيء ويذهب دمي هدراً؟ أو أصاب فأرمى في منزلي؟". يضيف: "لن أتخلى عن سلاحي أبداً فقد اشتريته بدم قلبي، ونحن ما زلنا مهددين بأن يعاود تنظيم داعش الكرّة ويعتدي علينا مجدداً، ولولا ما يحتفظ به الأهالي من سلاح لكان داعش سيطر على المحافظة، كما أنّنا معرضون لاعتداءات أخرى".



الوضع المادي يلعب دوراً في التسليح، الذي من الملاحظ أنّه تحول إلى هوس لدى شبان في مقتبل العمر. كرم (24 عاماً) يمتنع عن أداء الخدمة العسكرية لعدم ثقته بالقيادات العسكرية في النظام، وعدم إيمانه بالحرب الدائرة في سورية، كما يقول إذ يصف الحرب باللعبة أو المسرحية. يتحدث عن أنواع البنادق والقنابل وأسعارها ومميزات أنواعها. يلفت إلى أنّ "كلّ أنواع الأسلحة متوافرة في السوق، وهي تباع في أماكن معروفة منها محال تجارية، تعرض الأسلحة علناً، من دون أن يكون هناك أيّ قلق أو خوف من أجهزة أمن النظام، التي ما زالت في المحافظة". يشير إلى أنّ السعر الوسطي لبندقية الخرطوش هو 100 ألف ليرة سورية (195 دولاراً أميركياً) والرشاش الخفيف نحو نصف مليون ليرة (970 دولاراً) أما الثقيل فيمكن أن يصل إلى نحو مليون ليرة (1940 دولاراً) والقناصة نحو 700 ألف ليرة (1360 دولاراً)".

من جانبه، يقول الستيني، أبو سليمان محمود، المحب للموسيقى والأدب، ويملك مكتبة تضم أكثر من ألفي عنوان، وأحد رافضي التسلح والعنف طوال السنوات الماضية، لـ"العربي الجديد": "للأسف اشتريت مؤخراً بندقية ومسدساً، فلم أعد أشعر أنّ ابنيّ اللذين بقيا هنا آمنين بعدما سافر ابناي الأكبر خارج البلاد. أنتظر إنهاءهما الدراسة حتى أرسلهما أيضاً إلى الخارج، فالإنسان في سورية معرّض في أيّ لحظة لخطر الموت، كما قد يعتقل لرأي أو كلمة نطق بها، ويمكن أن يساق للقتال، أو يخطف من أجل فدية". يضيف: "يبدو أنّ الحياة قد تفرض على الإنسان أشياء لم يكن يتخيل أن يقدم عليها، فأنا لم أعد أخرج من المنزل من دون أن أصطحب معي سلاحي، ففي أيّ منطقة وأيّ ساعة سأكون عرضة لهجوم أو خطف من دون أن تتحرك الشرطة لإنقاذي، مع ذلك كانوا يلاحقونني عامي 2011 و2012 لمواقفي وآرائي".

الخمسيني، أبو سامي، يملك محلاً تجارياً، ويبدو قلقاً خلال حديثه إلى "العربي الجديد"، من جراء انتشار السلاح بين الناس بشكل واسع: "اليوم، غالبية أهالي المحافظة تحمل أسلحة، وحتى الأطفال تجدهم يحملون السكين أو غيره من الأسلحة البيضاء. بات إشهار السلاح وإطلاق النار من الأفعال الاعتيادية، التي قد تنتج جراء حادث سير بسيط أو خلافات أبسط بكثير". يلفت إلى أنّ "المجتمع يشعر أنّه مهدد بأيّ لحظة بأعمال انتقامية، من قبل الأمن الذي تراجعت سطوته إلى درجة كبيرة منذ عام 2014، ومن تنظيم داعش الذي ما زال قادراً على الوصول إلى أهالي المحافظة عبر البادية، بالإضافة إلى أنّ المخاوف ما زالت قائمة من المسلحين في جارتنا درعا، من دون أن تجري أيّ مصالحة أو تسوية لعشرات القضايا، التي خسرنا فيها أرواح أبناء المحافظة". يتابع أنّ "القلق من وقوع فتنة داخلية ما زال قائماً، خصوصاً أنّ هناك مجموعات من البدو متعددة الولاءات، منها من يعمل مع الأمن ومنها من يعمل مع داعش، وأيّ منها قد يكون سبباً في انفجار الوضع في المحافظة".



بدوره، يقول الناشط الثلاثيني، رماح، إنّ "أهالي السويداء، خصوصاً شريحة واسعة من
الشباب، لديها شعور أنّ النظام يريد سوقهم إلى القتال وسيضعهم في مقدمة المعارك المقبلة، لينتقم منهم لامتناعهم عن الخدمة طوال السنوات الماضية، خصوصاً أنّ النظام دائماً ما يبعث برسائل أنّه سيستخدم القوة لإجبارهم على الخدمة، ويتهم أهالي المحافظة بعدم الوطنية، وأنّهم في حال لم ينصاعوا له سيعاقبهم لعقود مقبلة، وهو ما يزيد من سعيهم للتسلح لحماية أنفسهم". يلفت إلى أنّ "زيادة مستوى العنف أمر طبيعي، في محافظة فقيرة كان دخل أهلها الأساسي أموال أبنائها من الاغتراب، واليوم أبناؤهم محاصرون داخل المحافظة منذ سنوات، جراء طلبهم للخدمة العسكرية، كما أنّ جميع الدول التي كانوا يقصدونها، إما أغلقت أبوابها في وجه السوريين أو تدهورت أوضاعها".