حكومة تونس... صعوبات وتحديات اجتماعية في الانتظار

حكومة تونس... صعوبات وتحديات اجتماعية في الانتظار

13 فبراير 2020
الذكرى التاسعة للثورة التونسية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

ملفات اجتماعية واقتصادية كثيرة تنتظر الحكومة المقبلة في تونس، التي يبدو أنّها سترث أزمات متراكمة في مختلف القطاعات، كالتعليم والصحة والبطالة. ملفات باتت تقترب من الانفجار، إذ إنها تؤثّر بشكل مباشر على معيشة المواطنين وصحتهم

تنتظرُ حكومة إلياس الفخفاخ المقبلة، إذا ما حصدت ثقة البرلمان التونسي، تحديات اجتماعية كبيرة وصعوبات متعددة الأوجه والأسباب، وهو ما فاقم الأزمات التي تمر بها البلاد، على الرغم من تغيّر الحكومات المتعاقبة وتنوع البرامج والحلول. وتُراوح الأزمة الاجتماعية في تونس مكانها منذ سنوات، ما ضاعف حجم التحديات التي ستعترض الحكومة المقبلة، وهي الحكومة المرتقبة بعد تعسر ولادة الأولى، منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويفترض أن تعبر عن توجهات الحكام الجدد.

وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد على ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن، لأن "التحديات الاجتماعية والاقتصادية كبيرة، والوضع اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر على الانتخابات صعب جدّاً، إذ تعمل وزارات عدة بالنيابة".




في هذا السياق، يقول نائب رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان التونسي منصف بوغطاس، لـ"العربي الجديد"، إن التحديات الاجتماعية التي تنتظر الحكومة المقبلة كبيرة، تراوح بين مشكلة تنامي نسب البطالة في مقابل صعوبات خلق فرص عمل، عدا عن المشاكل التي يشهدها قطاع الصحة، منها الأزمة المالية واللوجستية للمستشفيات وشبح إفلاس الصناديق الاجتماعية الذي يُلاحق مؤسسات الضمان الاجتماعي، وهياكل التعويض في حال المرض، وضعف التنمية والتفاوت الاجتماعي بين الجهات.

يضيف بوغطاس أن التحديات الاجتماعية متشعبة جداً ومترابطة في ما بينها، على غرار ارتفاع مؤشرات الفقر والأمية ومشاكل البيئة والتعليم والعنف وتزايد حجم الجريمة بمختلف أشكالها، وتزايد مستويات الاحتقان الاجتماعي في العديد من القطاعات والمجالات، وتواصل الإضرابات في عدد هام من وحدات الإنتاج الحيوية في البلاد.

ويبين أن الحكومة الجديدة أمامها إنجاز إصلاحات اجتماعية كبيرة تحتاج دعماً وإسناداً كبيرين من البرلمان لتحقيقها من خلال تشريعات وقوانين، ودعم الحكومة البرلمانية الجديدة لتشجيعها على القيام بإصلاح منظومة الضمان الاجتماعي، وتحسين الوضع الصحي، والارتقاء بالتعليم بمختلف مراحله، وتحسين مستوى عيش التونسيين من خلال الحد من غلاء الأسعار وتخفيض الكلفة المعيشية، وخلق فرص عمل للحد من البطالة والقضاء عليها.

غزارة الأمطار تؤثر على التونسيين الفقراء (ياسين القايدي/ الأناضول) 












وتعد البطالة المستمرة في تونس منذ عقود من أكبر الملفات التي أرهقت الحكومات المتعاقبة، والتي عجزت عن إيجاد حلول هيكلية لها. كذلك، يعد ارتفاع مؤشرات البطالة في تونس سبباً رئيسياً في الاحتقان الاجتماعي المتواصل والغضب الشعبي الذي لا ينضب، وكان من بين الأسباب الرئيسية في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وشعاراً رئيسياً في ثورة 2011، إذ طالب الشباب الثائر بـ"العمل والحرية والكرامة الوطنية".

وتبلغ نسبة البطالة في تونس، بحسب الإحصائيات الرسمية، أكثر من 15 في المائة، ليتجاوز عدد العاطلين من العمل 630 ألف شخص من السكان القادرين على العمل. وترتفع نسبة البطالة لدى حاملي الشهادات العليا، وتفوق نسبتها 28 في المائة، ليصل عدد العاطلين من العمل من خريجي الجامعات إلى أكثر من 263 ألف شخص.

ارتفاع معدل الفقر هو من بين التحديات الاجتماعية الكبرى أمام الحكومة المقبلة، بعدما تراجعت الطبقة الوسطى في تونس في مقابل ارتفاع نسبة الطبقة الفقيرة، لتبلغ نسب الفقر، بحسب آخر تصريحات رسمية لوزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، نحو 15.2 في المائة، في وقت بلغت نسب الفقر بين الأطفال 24 في المائة، ما يتطلب خطة تهدف إلى مساعدة الأطفال الفقراء في نطاق الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية، بحسب الوزير.

بحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإن عدد التونسيين القابعين تحت خط الفقر يبلغ مليوناً وسبع مائة ألف تونسي من بين أحد عشر مليون شخص، في وقت يقدر البنك الدولي نسبة التونسيين المصنفين في خانة الفقر المدقع بـ3.5 في المائة، إضافة إلى 700 ألف من الفقراء، لتكون النسبة 11.5 في المائة، أي نحو مليون وربع مليون من الفقراء.

إفلاس
إلى ذلك، تعيش الصناديق الاجتماعية في تونس على حافة الإفلاس بسبب ضعف مواردها وتزايد حجم مديونيتها نتيجة ارتفاع حاجيات المضمونين اجتماعياً. ويشير المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض بشير الإيرماني، في تصريحات صحافية، إلى أن قيمة الديون بذمة الصندوق للمستشفيات الحكومية تبلغ حالياً 400 مليون دينار (نحو 140 مليون دولار).




ويقول الإيرماني إن أزمة السيولة هي نتيجة تأخّر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، ما تسبب في تأخر صرف مستحقات المستشفيات الحكومية. ويلفت إلى أنّ القيمة الإجمالية للمستحقات المالية، التي لم يستلمها الصندوق الذي يشرف عليه، من قبل مؤسستي الضمان الاجتماعي التي تشرف على القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ناهزت حتى الآن 4 مليارات و500 مليون دينار (مليار و583 مليون دولار).

وحاولت حكومة تصريف الأعمال طيلة عهدها إنعاش الصناديق الاجتماعية من خلال ضخ موارد وتغذية موازناتها بإثقال كاهل الأجراء والموظفين بضريبة جديدة تقضي برفع حجم المساهمة الاجتماعية إلى 2 في المائة من الأجر، إضافة إلى رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً بشكل اختياري، و62 عاماً بشكل إجباري، لخفض تقليص الرواتب للأشخاص غير العاملين.
ولم تغيّر البرامج والإجراءات الحكومية كثيراً في أزمة الصناديق الاجتماعية التي تعيش فشل أنظمة استرجاع المصاريف ومنظومات التكفل بجزء من العلاج لدى الأطباء بسبب عدم خلاص مستحقاتهم، ما نتج عنه فسخ التعاقدات المبرمة.

ويعد تراجع المنظومة الصحية في تونس من بين أكبر الملفات الاجتماعية التي تنتظر الحكومة المقبلة، في ظل الأزمة المالية التي تعيشها المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية بسبب تراكم ديونها وضعف الموازنات المرصودة لها، إلى جانب النقص الفادح في التجهيزات الطبية والأدوية وأطباء الاختصاص والإطارات الطبية والشبه طبية، ما انعكس سلباً على الخدمات الصحية التي تقدم للمواطنين، من خلال فقدان الأدوية وارتفاع حجم الأخطاء الطبية.

لشباب تونس مطالبهم الكثيرة (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 












يؤكد مدير العام التفقدية بوزارة الصحة، نوفل السمراني، أن الوزارة لا تملك بيانات ثابتة حول عدد الأخطاء الطبية، مرجحاً أن لا يتجاوز المئات. ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ملفات الأخطاء الطبية تحال إلى القضاء وهي محل نظر القضاة وليس وزارة الصحة، مشيراً إلى أنه يتم معالجتها وفق مجلة الإجراءات الجزائية.

ويضطر المواطن إلى التوجه للقطاع الصحي الخاص بسبب سوء الخدمات الصحية الحكومية وترديها وتراجع حجم الثقة في القطاع الحكومي. إلا أن غلاء الأسعار وضعف القدرة لدى عموم التونسيين يحول دون ذلك. وتعدّ مشاكل التعليم بمختلف المراحل في تونس ملفاً أساسياً ينتظر الحكومة المقبلة المطالبة بإصلاح النظم التعليمية وتأهيلها لمواكبة متطلبات سوق العمل، حتى يكون الخريجون قادرين على المنافسة.

تسرّب
وتشكو تونس من التسرب المدرسي، ويبلغ معدل التسرب أكثر من مائة ألف تلميذ سنوياً، أي بمعدل 280 تلميذاً في اليوم الواحد. وكشف وزير التعليم حاتم بن سالم أن عدد التلاميذ المتسربين تجاوز 526 ألفاً خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتعدّ هذه الفئة مهددة أكثر من غيرها بالانسياق نحو العنف والانحراف والدخول في عالم الجريمة، بحسب متخصصين في علم الاجتماع.

ويقول المدرس حسان موري لـ"العربي الجديد"، إن تونس تعاني من ارتفاع نسبة الجريمة بمختلف أشكالها، والتي يرتكبها الشباب، خصوصاً الذكور المنقطعين عن التعليم بشكل مبكر ومن المنتمين إلى أحياء ذات كثافة سكانية مكتظة، وتعرف ارتفاعا في مؤشر الفقر والبطالة. ويجد هؤلاء في الشارع الفضاء المناسب لقضاء أوقات فراغهم وتحصيل حاجياتهم بوسائل غير شرعية. كما يعد محيطهم الاجتماعي بيئة مشجعة على مظاهر العنف والانحراف، خصوصاً في غياب رقابة العائلة وضعف أداء مؤسسات التنشئة الاجتماعية وغياب الفضاءات الترفيهية والثقافية، على غرار دور الثقافة والشباب.




ويُبيّن أن العوامل الاجتماعية مترابطة، إذ إنّ ضعف المناهج التعليمية والانقطاع المبكر عن الدراسة وارتفاع نسبة العنف والجريمة وتعزز عوامل الانحراف والفقر وتزايد الأمية إضافة إلى غياب فرص العمل وتزايد حجم البطالة وارتفاع كلفة العيش، تخلق واقعاً اجتماعياً محتقناً ومتفجراً، وكلّها عوامل تشجع على الاحتجاج من قبل المواطنين بهدف تحسين ظروف العيش وتغيير حياتهم نحو الأفضل.