فقر باكستان يدفع إلى الانتحار والقتل

فقر باكستان يدفع إلى الانتحار والقتل

03 يناير 2017
العوز يورّط الناس بما ليس في الحسبان(آصف حسن/فرانس برس)
+ الخط -

قبل أن يضع حداً لحياته، أقدم محمد حسين على قتل أولاده الخمسة. أمّا السبب وفق ما يشير الأقارب والجيران، فهو الفقر وعجزه عن توفير لقمة العيش لعائلته. ويحكي سكان منطقة جنيوت في إقليم البنجاب، أنّ أياً من أقارب حسين أو أهل قريته محمد والا، لم يقدّم له المساعدة في يوم، على الرغم من وضعه المعيشي المزري. لم يتوقّع أحد أن يقدم الرجل على مثل هذه الخطوة التي هزّت البلاد كلّها.

ظفر علي من الجيران، يخبر أنّ "محمد حسين كان يشتغل في الحكومة لقاء راتب زهيد. وكان يتشاجر دائماً مع زوجته بسبب الحال المادية المتدهورة". يضيف أنّه في يوم، "تركت زوجته المنزل بعد شجار كبير. فعمد الرجل إلى وضع السمّ في حليب أطفاله الخمسة، اقرأ وقاص وشهزاد وعثمان ورضوان. بعدها، راح يشنقهم واحداً واحداً، قبل أن يشنق نفسه بالحبل ذاته". ويحمّل علي زوجة حسين "جزءاً من مسؤولية الجريمة". يقول: "كانت تشكو دائماً من الفقر، لكنّها لم تساعد قطّ زوجها في شؤون المنزل. وكانت تمارس الضغوط عليه أكثر فأكثر".

مأساة محمد حسين ليست فريدة من نوعها في باكستان، بل هي واحدة من عشرات الجرائم التي ارتكبها الآباء في حقّ أطفالهم قبل أن ينتحروا، على خلفية الفقر. صحيح أنّ أساليب القتل والانتحار تختلف، غير أنّ السبب واحد في الغالب وهو الفقر والنزاعات الأسرية التي تنجم عادة عن الوضع المعيشي المتردي.

من الجرائم المفجعة التي أثارت ضجّة على مستوى البلاد كذلك، قصة عبد الله وهو ربّ عائلة في مدينة أوكاره في إقليم البنجاب، أقدم على قتل أولاده الأربعة عبر إغراقهم في مياه نهر راوي والانتحار. وجذور هذه المأساة كذلك، تعود إلى الفقر وإلى العجز عن توفير لقمة العيش. وكما في مأساة عائلة حسين، تركت زوجة عبدالله المنزل وانتقلت للعيش مع والدها بعدما تشاجرت مع زوجها. فاستغلّ الأخير غياب الوالدة وأشرب أولاده السمّ عند عودتهم من المدرسة، قبل أن يصطحبهم إلى نهر راوي ويرميهم جميعاً في مجراه ويلحق بهم. في ذلك الحين، لمحه الناس من بعيد. حاولوا إنقاذهم، لكنّهم عجزوا عن ذلك.




في هذا السياق، يقول بخت زبير وهو مسؤول محلي في منطقة أوكاره إنّ "الرجل ارتكب الجريمة نتيجة الفقر، بحسب ما توصّلت إليه التحقيقات الأولية. إلى ذلك، لا يمكننا أن ننفي تدهور حالة الرجل النفسيّة، خصوصاً من جرّاء الأزمة المعيشية الصعبة التي عاشها". يضيف زبير أنّ "عبدالله كان يتشاجر من حين إلى آخر مع أفراد عائلته على خلفيّة فقرهم. وزوجته كانت قد تركت المنزل قبل يومَين من وقوع المأساة، الأمر الذي دفع بالرجل إلى الخطوة الجذرية، وقتله أولاده الأربعة فرزانه وسميرا وكانيز وقاسم".

تجدر الإشارة إلى أنّ الزوجة حاولت، بعد ذلك، وضع حدّ لحياتها والإقدام على الخطوة نفسها، إلا أنّ ذويها وأقاربها تمكّنوا من نهيها عن ذلك، بحسب ما تفيد مصادر الشرطة. وهي منذ ذلك الحين تعيش حالة لا توصف من الذعر والحزن.

من جهة أخرى، ثمّة أسباب مغايرة للجرائم التي يذهب ضحيّتها الأولاد على يد آبائهم. وهذه حكاية أنيقة التي كانت تبلغ من العمر 12 عاماً وتعيش مع عائلتها في منطقة أنار كلي التاريخية في قلب مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب. والدها ادعى أولاً قتلها بواسطة مقصّ، ليس بسبب الفقر وإنّما بسبب تأخّرها في جلب الطعام إليه. ويخبر سكان المنطقة وكذلك والدة أنيقة، أنّ الصغيرة البريئة تأخّرت في أخذ الطعام إلى والدها الذي يعمل في دكانه الصغير بالقرب من منزل العائلة. وعند وصولها، راح الوالد الذي فقد أعصابه يضربها بواسطة المقصّ على رأسها وعنقها. سقطت الفتاة أمام الدكان وهي تنزف من رأسها وعنقها. نقلها سريعاً أهل المنطقة إلى المستشفى، لكن من دون جدوى. فهي كانت قد فارقت الحياة. وفي مركز الشرطة، قدّم الوالد إفادة قال فيها، إنّ لصوصاً دخلوا دكّانه وقتلوا ابنته. لكنّه عاد ليعترف بارتكاب الجريمة في نهاية المطاف.

مع تكرار مثل هذه الجرائم، التي تُربط غالباً بالفقر وبالاضطرابات النفسيّة، لا بدّ من التوقّف عندها. في هذا الإطار، تقول الناشطة الاجتماعية، ناهيد خان، إنّ "فهم هذه المعضلة الاجتماعية يكون عبر النظر إلى الحالة المعيشية التي يعيشها الباكستانيون، خصوصاً في المناطق النائية المنسيّة أصلاً". تضيف أنّ "وسائل الإعلام وعلماء الدين والناشطون في المجتمع المدني لا بدّ من أن يؤدّوا دورهم في تحسين حالة هؤلاء، وبثّ الوعي لدى الآباء. على هؤلاء الأخيرين أن يدركوا أنّ الحلّ ليس في وضع حدّ للحياة، إنّما يكمن في الصبر والمثابرة". وتشدّد خان على "دور علماء الدين الأساسي في هذا المجال. ففي المناطق النائية، ينصت المواطنون إلى نداءاتهم".