الضرّة ما زالت مرّة

الضرّة ما زالت مرّة في موريتانيا

28 أكتوبر 2017
يحاولنَ التأقلم مع الواقع (فليكر)
+ الخط -

على الرغم من مرارة واقع الضرّات والضغوط النفسية التي يعشنَها في المجتمع الموريتاني الذي يعدّ الزوجة التي تقبل ضرّة بلا قيمة، فإنّ حياة بعضهنّ تبدو مستقرّة.

ثمّة نظرة سائدة حول حياة الضرّات مع انتشار قصص الخلاف الأزلي بين ضرّتين والمشكلات التي تترتّب على صراعهما، إلا أنّ ثمّة حالات تغلّبت على هذه النظرة وكشفت عن مدى تقبّل بعض النساء هذه الحياة في مجتمع كان حتى وقت قريب يرفض "الزوجة الثانية"، بل ويفرض على الزوج شرط "لا سابقة ولا لاحقة وإلا فأمرها بيدها"، ومعنى ذلك ألا تكون للعريس زوجة أخرى ولا يرتبط بثانية بعد الزواج وإلا صار طلاق الزوجة بيدها.

مجموعة كبيرة من العوامل دفعت بالموريتانيين إلى تغيير نظرتهم حول التعدّد، لعلّ أبرزها ارتفاع نسبة العنوسة وهجرة الشبان وتفاقم مشكلة البطالة وارتفاع مستويات المعيشة بالإضافة إلى الشروط التي تفرضها التقاليد والعادات الموريتانية المرتبطة بـ"كفاءة النسب" والتي تقلّص فرص الزواج لدى النساء. القبائل العربية تشترط في هذا الإطار تزويج بناتها ممّن يكافئهنّ في النسب القبلي، وترفض أيّ خطيب ينتمي إلى فصيل أقلّ نسباً بحسب ترتيب الهرم القبلي، وذلك حفاظاً على النسب والجاه والمال، وهو الأمر الذي يقلّص الخيارات أمام النساء ويرفع نسبة العنوسة في المجتمع ويدفع الراغبات في الزواج إلى البحث عن خطيب يتوفّر فيه شرط الكفاءة في النسب قبل الشروط الأخرى.

وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في تغيير نظرة المجتمع حول تعدّد الزوجات وجعلت الموريتانيات أكثر تقبلاً له طالما أنّ الزوج قادر على الوفاء بالتزامات الأسرة والعدل بين زوجاته. فبدأت حالات تعدّد الزوجات تظهر في الأوساط الاجتماعية الراقية وفي أكثر العائلات تمسّكاً بالعادات القديمة والتي لم تكن تقبل أن يضار الرجل بناتها. تجدر الإشارة إلى أنّه من النادر أن يكون للرجل الموريتاني متعدّد الزوجات أكثر من زوجتَين اثنتَين، ربّما لأنّ قبول مبدأ تعدد الزوجات حديث العهد في المجتمع الموريتاني. ويرى علماء الاجتماع أنّ الرجل الموريتاني لم يتحلّ بالشجاعة الكافية للإقدام على الزواج بأكثر من امرأتَين اثنتَين وهو في مرحلة الاستكشاف بعدما بدأت النساء يتقبّلنَ فكرة تعدّد الزوجات.

تقول سعاد بنت سيد أحمد، وهي ربّة منزل اقترن زوجها بأخرى، إنّ "الزوجة الأولى حين تعلم باقتران زوجها بامرأة أخرى تشعر بالخيانة والخيبة، خصوصاً إذا كان وسطها العائلي لا يتقبّل التعدد ويسخر من المرأة التي تقبل أن تكون ضرّة أو أن تُضار". تضيف سعاد أنّ "الزوجة تخشى التمرّد على الوضع وطلب الطلاق، لأنّها تفقد السند والأطفال والحقوق، خصوصاً إذا بدأ زوجها يتجاهلها ولا يحرص على العدل بينها وبين الزوجة الجديدة". وتشير إلى أنّ "الصراع بين الطرفَين ينتج عن فشل الزوج في العدل بين زوجتَين وأطفالهما وعدم التفاهم بين أفراد الأسرة وأنانية الزوجتَين والمكر الذي تتعاملان به للإيقاع ببعضهما البعض". وعن تجربتها الشخصية، تقول سعاد إنّها عانت في البداية من واقع الصدمة بعد اقتران زوجها بأخرى. لكن بعد مرور ستّة أشهر تقريباً، بدأت الأوضاع تتغيّر عندما لاحظت مدى طيبة وسماحة ضرّتها، خصوصاً في تعاملها مع أبنائها، إذ أحاطتهم بالحبّ والحنان والعطف، وحافظت على خصوصية العائلة ولم تنجح شائعات المحيط العائلي ومكائده في تغيير سلوك الضرّة التي تربطها بسعاد اليوم علاقة صداقة وأخوّة.




أمّا عائشة بنت محمد إبراهيم، وهي ربّة منزل كذلك، فقد عانت من النزاعات اليومية مع ضرّتها التي حوّلت حياتها وحياة أبنائها إلى كوابيس، وراحت تضع خططاً ومقالب غير بريئة لإجبار الزوج على التخلّص من عائشة وإفساد حياتها، فكانت تختلق القصص لنزع فتيل الوفاق بين عائشة وزوجها، وتضرب أبناءها وتتّهمهم بالتهجّم عليها وتجريحها وإهانتها. فتقول عائشة إنّ "ضرّتي نشرت رقم هاتفي الشخصي على مواقع الدردشة الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، وكادت تنجح في سعيها إلى زعزعة الثقة بيني وبين زوجي، غير أنّه تنبّه للأمر". تضيف أنّه مع مرور الأيام، بدأت الضرّة تنزعج من عدم تطليق الزوج لعائشة، فأهملت المنزل وأصبحت متطلباتها الخاصة كثيرة، حينها اكتشف الزوج نيّتها وحقدها، فطلّقها. وتشير عائشة إلى أنّها لا تعارض اقتران زوجها بأخرى شريطة أن تكون زوجة صالحة ترعى شؤونه وتحافظ على حياته السابقة، لا أن تسعى إلى إلغاء ماضيه وتوريط أبنائه في مشاكل لا حصر لها.

من جهتها، لا تتقبّل حياة بنت لمرابط، وهي موظفة، الضرة مثلما تفعل عائشة وسعاد، وتقول: "لا يُقلق المرأة في حياتها شيء أكثر من ارتباط زوجها بأخرى، حتى لو كانت الحاجة ملحّة إلى زواج ثانٍ، فكيف إذا لم تكن ثمّة ضرورة للأمر؟". بالنسبة إليها، فإنّ "الزوجة الأولى تكون مصدومة وتشعر بالغبن والغيرة وترفض أنانية الرجل وبحثه عن زوجة أخرى لتجديد حياته ونسيان تضحياتها هي". وتشدد على أنّ "تساهل الزوجات في حقوقهنّ يؤدّي إلى استسهال الزوج للأمر، وخصوصاً أنّه لا يحتاج إلى مبررات كثيرة ولا يأبه بالجرح النفسي الذي يسبّبه للزوجة الأولى ولأبنائهما".

وعن تجربتها الشخصية، تقول حياة إنّ عامل المفاجأة سبّب صدمة كبيرة لها، إذ لم تتوقع أن يقترن زوجها بغيرها بعد قصة حب وتضحيات، فهي رُزقت بابنَين وابنة واحدة بعد 10 سنوات من الزواج الناجح وبعد تضحياتها في البداية عندما كان دخل الزوج محدوداً. وحين بدأت الأمور تتحسّن وأصبح دخله يتضاعف وعمل في التجارة إلى جانب عمله كموظف حكومي، صار يغيب عن البيت بحجّة العمل والسفر من أجل إبرام الصفقات، إلى أن فاجأتها إحدى قريباتها بإخبارها أنّه تزوّج بأخرى. تضيف حياة بمرارة: "لم أطلب الطلاق لأنّني لا أريد أن أترك زوجي لأخرى بعدما أصبح ميسور الحال. لكن، ثمّة شرخ كبير في العلاقة بيننا، خصوصاً بعدما صار يزور البيت من حين إلى آخر مثل الغريب".

دلالات

المساهمون