كابول تغرق بمياه الأمطار

كابول تغرق بمياه الأمطار

17 يناير 2016
علق وسط الطريق (أديك بيري/فرانس برس)
+ الخط -

الحروب المتواصلة في أفغانستان أدت إلى مشاكل كثيرة اجتماعية واقتصادية وأمنية. ويعدّ الصرف الصحي أحد أكبر وأخطر المشاكل الإجتماعية والبيئية التي تعاني منها عدد من المدن الأفغانية، وخصوصاً العاصمة كابول، ما يؤدي إلى تلوث مياه الشرب وتفشي الأمراض.
على مدى الـ 14عاماً الماضية، وبعد سقوط حكومة طالبان عام 2001، جذبت أفغانستان مليارات الدولارات بهدف إصلاح ودعم قطاعات مهترئة، إلا أن تلك الأموال لم تأت بالنتائج المرجوة بسبب الفساد المستشري في الدوائر الحكومية والمؤسسات المعنية.

وبحسب التخطيط الحكومي المعد عام 1975، تتسع كابول لنحو مليون شخص. لكن بسبب الوضع الأمني المتدهور في عدد من الأقاليم، انتقل عدد كبير من الأفغان خلال السنوات الأخيرة إلى العاصمة، كونها أكثر أمناً، ليصل عدد سكان العاصمة بحسب إحصائية أخيرة إلى ستة ملايين شخص.
في هذا السياق، يقول أحد الموظفين المتقاعدين في البلدية محمد رمضان، إن "أمراء الحرب السابقين وكبار المسؤولين في الحكومة باعوا أراضي إلى المواطنين، وقد صممت أحياء كثيرة على تلك الأراضي المغتصبة في العاصمة كابول من دون أن يكون هناك نظام صرف صحي. فالهم الوحيد كان بيع أراضٍ مغتصبة لا أكثر".

ولأن تصميم معظم الأحياء كان غير قانوني، وبالتواطؤ مع كبار المسؤولين في الحكومة، لم يجبر أصحابها على الالتزام بالشروط التي وضعتها البلدية، منها بناء نظام صرف صحي. لذلك، ولدى هطول الأمطار الغزيرة، تسد مجاري المياه فتغرق الشوارع، وقد تكون منطقة كوتي سنكي مثالاً. مشهد الغرق هذا يتكرر كثيراً. لكن عند هطول أمطار غزيرة، تتحول هذه الأزقة إلى بحيرات.

في هذا السياق، يقول أحد سكان المنطقة: "نعيش معاناة حقيقية بعد هطول الأمطار. إذ تسد مجاري المياه، وتدخل المياه إلى منازل الناس، ما يؤدي إلى أضرار كبيرة تصيب المواطنين والمنشآت". يضيف أن أحد جدران منزله انهار بعدما دخلت المياه إلى بيته، وقد تضرر منزله إلى حد كبير. هذه المشكلة تتكرر في كل مرة تتساقط فيها الأمطار، ما دفعه إلى الانتقال إلى منطقة كارتي بروان.

ليس هذا الرجل وحده من يعاني خلال موسم الأمطار، بل هناك مئات القصص المماثلة. على سبيل المثال، فقد قضى محمد فريد ليلة كاملة في مسجد بعد دخول المياه إلى منزله. يقول: "قبل شهر، وبعد آذان المغرب، كنت ذاهباً إلى البيت من مكتبي في منطقة شهر نو، وكان هطول المطر قد بدأ للتو. كان طريق المنزل مغلقاً بسبب المياه. وهاتفتني زوجتي لتخبرني أن المنزل يكاد يغرق".

في هذا الوقت، اتصل بأحد زملائه في البلدية علّه يفعل شيئاً لكن من دون جدوى، الأمر الذي اضطره إلى قضاء ليلة في أحد المساجد القريبة من الشارع. أما زوجته، فظلت تحاول إخراج المياه من الغرف طوال الليل.
يقول عدد من المتخصصين في مجال البيئة إن العاصمة الأفغانية كابول شيّدت من دون تخطيط. كذلك، فإن الحروب على مدى العقود الثلاثة الماضية والتجاذبات السياسية أدت إلى حرمان هذه المدينة من نظام الصرف الصحي. في هذا الإطار، يقول أحد سكان منطقة خيرخانه خان محمد (75 عاماً)، إنه خلال حكومة نجيب الله الموالية للروس، منحت الحكومة أراضي سكنية لمسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم في منطقة خير خانه. يضيف أن هؤلاء استولوا على الطرقات التي يفترض أنها مخصصة لإمدادات الصرف الصحي.
إذاً، فإن فقدان نظام الصرف الصحي يؤدي إلى مشاكل كثيرة للقاطنين في كابول، عدا عن انتشار الكثير من الأوبئة والأمراض المزمنة كالسل والملاريا والكبد الوبائي وغيرها.

يقول الطبيب محمد صابر إن "عدم وجود نظام صرف صحي في كابول يؤدي إلى انتشار الأمراض، لأن مياه المجاري تختلط بمياه الشرب، عدا عن أن معظم أنابيب المياه قديمة. ويؤدي الشرب من هذه المياه إلى الإصابة بأمراض عدة، وانتشار أمراض الكبد الوبائي". يتابع أن "المياه الراكدة تجذب الذباب والبعوض، وغالباً ما تزيد من إصابة المواطنين بأمراض معدية".

ولا يحمّل الطبيب الحكومة المسؤولية الكاملة، وخصوصاً أنها في حالة حرب. ويشير إلى أن المجتمع الدولي لم يؤد دوره إزاء الكثير من المشاكل الاجتماعية والبيئية التي يعاني منها الأفغان. كذلك، فإن المؤسسات المعنية بمعالجة هذه الملفات، وعلى الرغم من حصولها على مبالغ كبيرة خلال العقد الماضي، لم تؤد دورها الحقيقي. إضافة إلى أن انعدام نظام الصرف الصحي ليس المشكلة الوحيدة التي تعاني منها العاصمة الأفغانية كابول، بل هناك مشاكل أخرى تؤدي إلى انتشار الأمراض كعدم وجود برنامج متكامل لتنظيف المدينة من النفايات، الأمر الذي أثار غضب البرلمان. ويرى المسؤولون في الحكومة أن الرئيس الأفغاني منع صرف الأموال إلى الإدارة بذريعة وجود الفساد فيها، وأن الحكومة تعمل حالياً على وضع خطة لتنظيف المدينة من النفايات ونظام الصرف الصحي.
وكان الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني قد أعلن أخيراً أن العاصمة الأفغانية في أمسّ الحاجة إلى نظام صرف صحي وخطة تنظيف متكاملة. وعلى الرغم من الوعود المتكررة، لم تفعل الحكومة شيئاً.

اقرأ أيضاً: "زواج الشغار" يدمّر حياة الأفغانيات