موريتانيون ينامون في قفص "داعش"

موريتانيون ينامون في قفص "داعش"

22 يوليو 2018
فكرة غريبة (العربي الجديد)
+ الخط -
تتشكل ظاهرة جديدة في موريتانيا، وهي استعمال الأقفاص الحديدية بين سكان المدن والقرى، بهدف توفير الحماية للنساء والأطفال، وسعي الأهالي إلى الحدّ من مخاطر العصابات الإجرامية التي باتت تشكل خطراً على حياة الآمنين، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات الاعتداء على الأعراض ليلاً، وهي الظاهرة التي انتقلت من كبريات المدن، إلى القرى والمناطق الداخلية.

يقول الناشط الاجتماعي، عبدالرحمن ولد الحسن، إنّ "انهيار الأمن في العديد من القرى والمناطق الريفية في موريتانيا جعل السكان يلجأون إلى استحداث آليات جديدة لحماية الأعراض والأنفس"، مؤكداً أنّ غياب أولياء أمور الأسر وانشغالهم في الفترة الحالية برعي المواشي والعبور بها إلى دول الجوار بسبب الجفاف الذي يضرب البلاد، جعلا الأسر تبحث عن طرق جديدة للحماية فكانت الأقفاص الحديدية ملاذها. يتابع ولد الحسن لـ"العربي الجديد" أنّ سكان قرية كرو، شرق موريتانيا، استحدثوا أقفاصاً حديدية توضع داخل المنازل من أجل إحكامها على النساء والأطفال كلّ ليلة، وهي أقفاص شبيهة بالقفص الذي وضع فيه تنظيم "داعش" الطيار الأردني معاذ الكساسبة، قبل إعدامه في سورية عام 2015.

يقول محمد ولد محمود، وهو من سكان الريف، إنّ العائلات استحدثت هذه الأقفاص داخل المنازل للجوء إليها وقت النوم لتوفير الحماية، خصوصاً مع انعدام الأمن في أغلب مناطق الريف. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأقفاص الحديدية" تتسع لجميع أفراد الأسرة العادية (من أربعة إلى خمسة أشخاص)، مشيراً إلى أنّ الأسر التي يتكون أفرادها من عشرة أشخاص تصنع قفصين لاستيعابهم، وأن هناك إقبالاً كبيراً من سكان القرى والأرياف على هذه الأقفاص.



تعتبر، مريم بنت سيد أحمد، وهي من سكان الريف، أنّ ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف يجعل المبيت داخل المنازل مستحيلاً، مع غياب المكيفات، فتفضل المبيت خارج الجدران. تتابع أنّ انتشار الجريمة في معظم المدن والقرى جعل الأسر تفكر في حلّ لمشكلة النوم في الخارج من خلال الأقفاص الحديدية. تطالب بنت سيد أحمد في حديثها إلى "العربي الجديد" بتوفير الأمن للقرى والمدن الريفية التي تعاني من خطر اللصوص والعصابات الإجرامية، بعدما كانت في السابق تعيش جواً من الأمن والاستقرار، مردفة أنّ آليات الحماية التي ابتكرها الأهالي وتمثلت في ابتكار الأقفاص الحديدية، يلجأ إليها معظم الأسر من أجل قطع الطريق أمام اعتداء مفترض قد يحدث في أيّ لحظة.

أصحاب الورش باتوا يصنعون الأقفاص الحديدية بعدة أشكال وأحجام (العربي الجديد) 


من جهته، يقول الشاب محمد عالي، وهو مالك ورشة حديد، في إحدى مدن الداخل الموريتاني، إنّ إقبال السكان على الأقفاص الحديدية، ارتفع بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، ونزوع أغلب الأسر إلى النوم في العراء كما يفعل معظم سكان الريف، لكنّ تدهور الأمن زاد من إقبالهم على ورش الحديد لتجهيز وشراء هذه الأقفاص بحسب حاجتهم. يضيف عالي لـ"العربي الجديد" أنّ أصحاب الورش باتوا يصنعون الأقفاص الحديدية بعدة أشكال وأحجام، ما جعل السكان يقبلون على شرائها، إذ هناك أقفاص تتسع لأسرة كبيرة، وأخرى تتسع لأسرة قليلة الأفراد، وبذلك، بات التصنيع في أغلب الحالات تحت طلب الزبائن".

ويقول عدد من سكان المدن والقرى الموريتانية في أحاديث مختلفة إلى "العربي الجديد" إنّ الأقفاص الحديدية، باتت ملاذاً آمناً لأغلب الأسر، إذ توفر الحماية والأمن للسكان الذين يعيشون الخوف الذي تسبب به تدهور الأمن، وغياب دوريات الشرطة التي كانت تجوب المناطق في وقت سابق، ويشكل تحركها مصدر أمن للمواطنين وإزعاج للعصابات الإجرامية التي تنشط بقوة وتروع الآمنين في القرى والمدن الداخلية بموريتانيا.



تظاهر عدد من سكان المدن الداخلية في وقت سابق، مطالبين الجهات الحكومية بتوفير الأمن وكبح جماح العصابات الإجرامية التي تروع الآمنين، مؤكدين أنّ الدفع بدوريات الشرطة وجهاز الدرك الوطني من شأنه المساهمة في نشر الأمن وتوفير الحماية للسكان في ظل تربص اللصوص والمجموعات الإجرامية بالأسر ليلاً.

ويؤكد بعض السكان خصوصاً من المناطق الداخلية أنّ الجرائم الجنسية تسبقها عمليات تلصص. وبذلك، فإنّ معرفة اللصوص بأنّ الأسر تدخل بكامل أفرادها إلى الأقفاص، خصوصاً الأطفال والنساء، بهدف النوم ليلاً، بعد الإقفال على أنفسهم فيها، تجعلهم يتراجعون عن محاولة الهجوم على المكان.

بالرغم من كلّ هذه المبررات، لا يتوانى البعض عن إبداء استغرابه حلّاً دعت الضرورة إليه في ظلّ غياب الدولة عن حماية مواطنيها.