خبز تونس... القمح من المخبز إلى المواطن فالقمامة

خبز تونس... القمح من المخبز إلى المواطن فالقمامة

08 يونيو 2018
هل ترمي معظمه؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

يرمي التونسيون كثيراً من خبزهم اليومي في القمامة، مع ما في ذلك من خسارة لهم على مستوى الإنفاق الفردي، وخسارة للدولة التي تدعم هذه الصناعة. في شهر رمضان، تزداد حدة ذلك إلى أقصى حدّ، وهو ما يفرض الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك.

"يستهلك كلّ تونسي 75 كلغ من الخبز سنوياً، ويعتبر هذا المعدل من أعلى معدلات الاستهلاك في دول حوض المتوسط. كذلك، يرمى نحو 113 ألف طن سنوياً من الخبز. أما خلال شهر رمضان فيرتفع استهلاك الخبز خصوصاً الأصناف الخاصة التي تعرف بالمبسس وخبز الزيتون والملاوي بنسبة 58 في المائة مقارنة بالأشهر العادية من السنة. ويعرف صنف باقات زيادة بأكثر من 135 في المائة خلال نفس الفترة. في المقابل، يشهد استهلاك الخبز الكبير في رمضان تراجعاً بنسبة 11 في المائة مقارنة بباقي أشهر السنة" بحسب مدير المعهد الوطني للاستهلاك في تونس، طارق بن جازية، في حديثه إلى "العربي الجديد".

يضيف بن جازية أنّ حجم تبذير الخبز لدى التونسيين يعتبر مرتفعاً جداً إذ يقدر بـ 100 مليون دينار (39 مليون دولار أميركي) سنوياً، مبيناً أنّ أسباب ذلك عديدة منها السعر المنخفض للخبز الذي ساهم في الإقبال عليه بكميات كبيرة قد تتجاوز في أغلب الحالات حاجيات المستهلك الأساسية، وأيضاً تدني جودة الخبز، إذ إنّ جودته ليست عالية ولا تسمح ببقائه طازجاً لفترة طويلة، مشيراً إلى أنّ تونس لا تملك تقاليد إعادة تدوير الخبز الذي لا يحتاجه السكان. يوضح أنّ العادات الاستهلاكية للتونسي خلال شهر رمضان ساهمت في زيادة التبذير، إذ إنّ كلّ فرد في الأسرة يقتني ما يحلو له وما يشتهيه من أصناف. وبالتالي، فإنّ في البيت الواحد قد تتكدس كميات كبيرة من الخبز يومياً.



يشير مدير المعهد الوطني للاستهلاك إلى أنّ الدعم الموجه للخبز، أي صنف "فارينة" تحديداً، يبلغ نحو 400 مليون دينار (نحو 156 مليون دولار)، موضحاً أنّ الكلفة الحقيقية لدعم صنف "باقات" الذي يباع بـ190 مليماً هي 280 مليماً، أما الخبز الكبير الذي يبلغ سعره 230 مليماً (نحو ربع دولار) فإنّ كلفته الحقيقية هي 470 مليماً. يلفت بن جازية إلى أنّ تبذير الخبز خلق تجارة في تونس تسمى تجارة "الخبز البايت" الذي يجمع ثم يباع ليقدم كعلف للأبقار إذ يباع الكيس من وزن 50 كلغ بما بين 12 ديناراً و13، مبيناً أنّ هذه النوعية من العلف لا تخلو من أضرار على المواشي إذ تؤثر على نوعية اللحوم والحليب بالنسبة للأبقار وتسبب عدة أمراض للقطيع. يؤكد أنّ الدعوات إلى ترشيد الاستهلاك نابعة من كون الخبز سببا من أسباب السمنة لدى التونسيين، خصوصاً في ظل ارتفاع الاستهلاك، ولاحتوائه على نسب عالية من الملح، إذ يعتبر من أكثر الأصناف عالمياً ملوحة، ففي كلّ 100 كلغ من خبز "فارينة" 1800 غرام من الملح. وهو ما يرتد سلباً على الصحة إذ يؤدي إلى تصلب الشرايين وأمراض القلب. ويدعو بن جازية إلى ترشيد استهلاك الخبز لأسباب صحية وبيئية واقتصادية، إذ إنّ 68 في المائة من النفايات المنزلية عضوية، ولا يعاد تدوير أكثر من 5 في المائة منها.


من جهته، يعتبر رئيس غرفة المخابز، محمد بوعنان، أنّ كميات كبيرة من الخبز تلقى في النفايات يومياً، فيما تبقى كميات أخرى لدى أصحاب المخابز ما يكبدهم خسائر كبرى. يضيف بوعنان لـ"العربي الجديد" أنّ استهلاك الخبز العادي خصوصاً الصنف الكبير يتقلص كثيراً خلال شهر رمضان مقارنة بالأيام العادية التي يبيعون فيها الخبز على 3 فترات طوال اليوم في حين أنّه في رمضان يقتصر البيع على الفترة المسائية، كما أنّ أغلب المحلات تعزف عن اقتناء الخبز لأنّ المواطن يفضل اقتناءه من المخابز مباشرة، مبيناً أنّ التونسي يلقي كميات كبيرة من الخبز إذ يستهلك من كلّ أربع قطع قطعة واحدة فقط ويرمي البقية في القمامة، أو تعود إلى أصحاب المخابز.

يوضح بوعنان أنّ الكميات التي تعود إليهم من الخبز تصلهم في كثير من الأحيان كاملة، ومن دون أن ينقص منها شيء، وتزداد الظاهرة حدة في شهر رمضان بحكم تعدد الأكلات ونقص استهلاك الخبز فيكون مصيره القمامة. يبين أنّه في بعض المحلات التجارية يعاد 80 في المائة من الخبز يومياً، فيما تباع بقايا الخبز مجدداً إلى مربي المواشي، ويجري استعمالها كعلف.



يتابع بوعنان أنّ المخابز العشوائية أضرت كثيراً بالمخابز القانونية، واستحوذت على نصيب كبير من السوق لأنّ أغلبها موجود في التجمعات السكانية وبالقرب من حركة العبور، ويكون الإقبال عليها في رمضان كبيراً، معتبراً أنّ الظاهرة الثانية التي أضرت بهم أيضاً هي محلات بيع الحلويات التي باتت تبيع الخبز أيضاً خصوصاً في شهر رمضان، بالرغم من افتقارها للاختصاص. كذلك، فإنّه بحكم إقبال التونسيين على اقتناء الحلويات فإنّهم يقتنون الخبز، مشيراً إلى أنّ هذا الصنف من الخبز مغشوش في المكونات، وعادة ما يكون وزنه أقل وممنوع قانوناً لأنّ إعداد الخبز يجب أن يقتصر على حاملي البطاقات المهنية، ومع ذلك يعدّ ويسوّق في مسالك أخرى، ويجد رواجاً لدى المواطنين.

يؤكد بوعنان أنّ خبز "الفارينة" المدعّم متاح لجميع التونسيين، ويقتنيه القطاع المنظم والعشوائي، وأصحاب محلات الحلويات: "للأسف يساء استغلاله عوضاً عن توجه إلى الفئات التي تحتاجها، وهو ما يضر بصندوق الدعم". يؤكد أنّ الدولة تبدو عاجزة عن مراقبة الانتهاكات ووضع حد للقطاع العشوائي والانفلات الحاصل بالرغم من أنّ خسائرها في هذا القطاع أكبر بحكم الدعم الذي تقدمه.

أما رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الخبز الموجه إلى القمامة يزداد في شهر رمضان في ظل ارتفاع الاستهلاك الذي يصل إلى نحو 138 مرة أكثر من الأيام العادية، مبيناً أنّ هذا "يعود إلى الثقافة الاستهلاكية لدى التونسي، إذ إنّه يقتني من أيّ مادة 1 كلغ، بينما هو ليس في حاجة إلى أكثر من 300 غرام، وتذهب البقية إلى القمامة، فإذا جمعنا الكميات على المستوى الوطني باتت كبيرة جداً".


يتابع أنّه لا بدّ من ترشيد الاستهلاك، ويشير إلى أنّ هناك اليوم دعوات من المنظمة إلى ربات البيوت لتكليف فرد واحد في العائلة باقتناء الخبز بدلاً من أن يقتني كلّ فرد فيها الخبز بمفرده، وهو ما يحدّ من خسائر الخبز. ويبيّن أنّه في ظل تدهور صندوق الدعم وتراجع اقتصاد تونس لا بدّ من ترشيد الاستهلاك لأنّ ظروف البلاد الاقتصادية تغيرت، ولا بدّ من تدريب التونسي على ثقافة جديدة تتمثل في اقتناء الكمية التي يحتاجها وتجنب التبذير.