حياة خارج المخيمات... هل يندمج السوريون في المدن التركية؟

حياة خارج المخيمات... هل يندمج السوريون في المدن التركية؟

01 سبتمبر 2019
الحياة في المخيم ليست سهلة (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

تحدّ جديد يُفرض على اللاجئين السوريين في تركيا، في ظل إخلاء المخيمات ودفع اللاجئين للعيش في المدن. وإن كان الخروج من المخيمات يشكل رغبة لدى كثيرين، فالبعض يعرب عن افتقاده الأمان.

فكّكت الحكومة التركية بالكامل، مخيمي سروج ونزيب أخيراً، ودفعت بأكثر من ثلاثين ألف لاجئ سوري ليعيشوا في المدن التركية، بعدما منحتهم تعويضاً مالياً يكفي ربما لبداية وإن حرجة، لتأمين بدل إيجار وتدبر شؤون المعيشة والحياة. لكن مشروع الدولة التركية في إفراغ المخيمات، لن يتوقف عند التجمعات الأربعة التي أفرغتها خلال العامين الأخيرين. وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أن هناك خطة وربما قريبة، لإفراغ مخيم كلس الذي يزيد قاطنوه عن 20 ألف لاجئ سوري. تضيف المصادر أنّ "المساعدات (بطاقة المول) قد تعلّق لبعض لاجئي كلس، خصوصاً الذين طلبوا سابقاً الذهاب إلى المدن والحصول على تعويض مالي".

يقول اللاجئ السوري محمد عبد الكريم إنه بدأ حياته منذ خروجه من مخيم نزيب: "لم نكن نعرف شيئاً حين جئنا إلى تركيا. هربنا من القصف على ريف إدلب منذ أربعة أعوام. وعشت في المخيم لأن جميع من فيه سوريون يفهمون لغتنا ومعظم احتياجاتنا مؤمنة". يتابع أن "هناك جملة من الصعوبات، خصوصاً لمن لديه أسرة كبيرة، منها ضيق المكان في المخيم واستمرار الخوف من الانخراط في المجتمع التركي، واستسهال حياة اللجوء. اليوم، بعدما خرجنا من المخيم، بدأت وأشقائي العمل على إكساء واجهات المباني، واستأجرنا منازل واسعة وسجلنا أولادنا في المدارس التركية. وعلى الرغم من صعوبة الأمور، تبقى أفضل من المخيم".

فراغ... (العربي الجديد) 

يضيف عبد الكريم: "استأجرنا منازل في مدينة نزيب بنحو 600 ليرة تركية (نحو 104 دولارات للمسكن الواحد)، وتغيرت حياتنا وحتى طموحاتنا. اليوم، نسعى إلى تعلم التركية والحصول على الجنسية. ربّما لن نعود إلى سورية ونحن أحياء". في المقابل، وجد عبد الرزاق برهان، الخارج من مخيم سروج، أن حياة المخيم أكثر أماناً، خصوصاً بعد حملات كراهية بدأت تتنامى في جزء من المجتمع التركي ضد السوريين. "في المخيم، الجميع سوريون. يفهمونك وتفهمهم ويحملون نفس همومك ومعاناتك. لكنني بعدما استأجرت في مدينة أضنه، شعرت بغربة اللغة وغربة المجتمع، عدا عن نظرات بعض الأتراك، وكأنني أتناول الطعام على موائدهم". يضيف برهان لـ"العربي الجديد": "حصلت على تعويض مالي حين غادرت المخيم قدره 6750 ليرة تركية (نحو 1179 دولاراً)، وقد بدأ المبلغ بالنفاد. أنا رجل مسن ولدي ثلاث بنات. باتت لدينا مصاريف لم نكن نشعر بها في المخيم، منها بدل إيجار المسكن وفواتير وطعام. ماذا أفعل بعد صرف التعويض؟". ويشير المتحدث إلى أن "اللاجئين في مخيم سروج تناقصوا خلال السنوات الأخيرة من نحو 35 ألف سوري إلى نحو 17 ألفا كانوا قد خرجوا قبل شهرين حين تمّ إفراغ المخيم بالكامل". ويلفت إلى أن إدارة المخيم خيّرت فقط الأشخاص ذوي الإعاقة والأسر التي ليس لديها معيل بين الذهاب إلى المدن أو الانتقال إلى مخيم كلس. لكن الخروج للبقية كان إجبارياً".

بعد إخراجهم من مخيم نزيب (العربي الجديد) 

حاولت "العربي الجديد" خلال وجودها في منطقة غازي عنتاب وزيارتها مخيم نزيب الفارغ، التأكّد أولاً من "إنذار" اللاجئين في مخيم كلس. وخلال الحديث مع مؤسس مبادرة المخيم المعنية بشؤون اللاجئين أحمد العقدة، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه "لا خطة، الآن على الأقل، لإفراغ مخيم كلس. والأشخاص الذين أُنذروا أو توقفت مساعداتهم (بطاقة المول وقدرها نحو 17 دولاراً للشخص الواحد) هم الذين تقدموا لإدارة المخيم بطلب الخروج، ثم ترددوا". ويقول العقدة المعايش لأحوال اللاجئين إنّ معظم الأشخاص الذين غادروا المخيم ما زالوا يشعرون بالخوف من الاندماج، على الرغم من مرور شهرين أو ثلاثة أشهر على خروجهم. ويوضح أنّ "التهديد الاجتماعي" الذي لاقاه بعض الخارجين من المخيمات، بعد موجة التحريض التي تشهدها ولايات تركية، "جعل اللاجئين يحنّون إلى المخيمات ويتمنون العودة إليها، باعتبارها بيئة سورية خالصة تتمتع بكامل الأمان ومحمية بجدران". لكن العقدة يرى أنه "لا بد للسوريين من اجتياز هذه المرحلة، ليس لأن الحكومة التركية ترغب في دمجهم في المجتمع وإغلاق المخيمات تدريجياً، بل لأنهم فاعلون وسيحدثون تغييراً في البيئة الجديدة، ويغيرون النظرة السلبية المكونة عن اللاجئين. الحياة في المخيم سهلة والبيئة مغلقة وقلما تنمي قدرات السوريين". يضيف: "خرج كثيرون إلى ولايات بعيدة عن الجنوب، ووصل الطلاب إلى جامعات إسطنبول وأنقرة وماردين، كما أن أسراً كثيرة لحقت بأولادها إلى تلك الولايات، لكن ذلك يتعلق بأدوات كل لاجئ، سواء ما يتعلق باللغة أو التحصيل العلمي أو حتى امتلاك مهنة تعود عليه بعائد يمكنه من العيش في المدن التركية".




يؤكّد مدير مخيم نزيب جلال دمير، لـ"العربي الجديد"، تخيير كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقات والأرامل بين "العيش في المدن أو الانتقال إلى مخيمات أخرى"، نافياً ما قيل عن الترحيل الإجباري من مخيم نزيب. يضيف: "التقينا كإدارة المخيم مع الأسر وخيرناهم وتم الأمر نزولاً عند رغبات اللاجئين". ويقول دمير: "لم يبق أي لاجئ في مخيم نزيب. جميع اللاجئين انتقلوا إلى مخيمات أخرى أو سكنوا في المدن، خصوصاً في نزيب التي بلغ عدد سكانها اليوم 119 ألف مواطن، 65 ألفا منهم سوريون، وهي ثاني مدينة بعد كلس، ويفوق عدد السوريين فيها عدد الأتراك". وفي ما يتعلق بالمخيمات التي ما زالت تؤوي سوريين، يقول دمير: "توجد خمسة مخيمات حتى اليوم، وهي هاتاي، كلس، أضنه، مرعش والعثمانية". لكن خطة الحكومة التركية البعيدة هي دمج السوريين في المجتمع التركي، بهدف تطويرهم من الناحيتين العلمية والاقتصادية". يضيف أن "الحياة في المخيمات محدودة والإمكانات ضعيفة والجميع يعتمد على المساعدات. لذلك، لا يمكن لمن يبقى في المخيم الوقوف على قدميه أو تعلم التركية أو الاندماج مع أهله الأتراك. وهذا هو الهدف العام والاستراتيجي للدولة". ويكشف مدير مخيم نزيب السابق أنه سيتم استثمار المخيمات بعد تفكيك الخيم والإبقاء على الكرفانات، إضافة إلى بعض المساكن في الحالات الطارئة.

ماذا يخبّئ لهم غدهم؟ (العربي الجديد) 

توافقت مصادر مختلفة خلال حديثها لـ"العربي الجديد" على أن جميع اللاجئين الخارجين من مخيمات اللجوء في تركيا، حصلوا على تعويضات مالية ولمرة واحدة فقط، ليتمكّنوا من استئجار منازل وبدء حياة جديدة. واختلفت المبالغ بحسب عدد أفراد الأسرة. في حال كان اللاجئ وحيداً، يكون المبلغ 1730 ليرة تركية (نحو 303 دولارات). وفي حال كانت العائلة تتألف من شخصين، يكون المبلغ 2310 ليرة (نحو 405 دولارات)، وثلاثة أشخاص 3460 ليرة (نحو 607 دولارات)، وأربعة أشخاص 4620 ليرة (نحو 809 دولارات)، وخمسة أشخاص نخو 5770 ليرة (نحو 1011 دولاراً)، وعشرة أشخاص 11540 ليرة (نحو 2022 دولاراً). تضيف المصادر أنّه سيتم منح المبلغ على دفعتين: نسبة الدفعة الأولى هي 70 في المائة من المبلغ تحصل عليها العائلات قبل خروجها من المخيم، والدفعة الثانية بعد استصدار سندات إقامة تؤكد سكنهم في المدن التركية.



ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا نحو 3.6 ملايين تركي مسجل، ولا يزيد من كان يعيش منهم في المخيمات عن 203 آلاف سوري، توزعوا منذ أعوام على 21 مخيماً، 4 مخيمات في هاتاي (هاتاي 1 و2 و3 والإصلاحية)، سعتها الإجمالية نحو 17.96 ألف لاجئ، وأربعة مخيمات في غازي عنتاب، منها نزيب، سعتها الإجمالية 21.298 لاجئاً، وأربعة مخيمات في ولاية شانلي أورفه (حران وتل أبيض أو سليمان شاه ورأس العين وفيران)، وسعتها 67.251 لاجئاً، إضافة إلى مخيم سروج ومخيم قرقميش أو "جرابلس". ويوجد مخيمان في كلس (كلس 1 وكلس 2)، سعتهما نحو 21 ألف سوري، ومخيم ماردين وسعته 2339 لاجئاً، منهم 1269عراقياً والبقية سوريون. ويوجد مخيم في مرعش يسكنه 15896 سورياً و4709 عراقيين، ومخيم في العثمانية سعته 13815 سورياً، ومخيم أديمان وسعته 8285 سورياً، ومخيم أضنه وسعته 26865 سورياً، ومخيم ملاطية وسعته 9256 شخصاً، في حين لم يبق اليوم سوى خمسة مخيمات، لا تزيد سعتها عن مائة ألف سوري.

المساهمون