أعداد غير مسبوقة من المشردين تغزو شوارع بغداد

أعداد غير مسبوقة من المشردين تغزو شوارع بغداد

26 مارس 2019
مشردة تنام في الشارع (فيسبوك)
+ الخط -
لم يكن مشهد رؤية أحدهم يتوسّد رصيف الشارع في العراق مألوفا على الإطلاق، غير أن الأمس ليس هو اليوم، فقد باتت طرقات وأزقة العاصمة بغداد تغصّ بـأعداد المشردين من فئات عمرية مختلفة، في ظل مناشدات حقوقية للسلطات العراقية ببناء دور إيواء لهم وإصلاح أوضاعهم المعيشية.

وتضم العاصمة بغداد وحدها أكثر من ألفي مشرد ينامون على الأرصفة وفي الحدائق العامة والمباني المهجورة، بحسب مسؤولين أمنيين عراقيين، وهو أعلى رقم عرفه العراق حتى الآن، ويأتي بالتزامن مع الذكرى السادسة عشرة لاحتلال البلاد التي تصادف مطلع الشهر المقبل.

"يغتسل المشردون في دورات المياه العمومية وينامون في أي مكان يقع أمامهم ويأكلون فضلات المطاعم وما يتصدق به الناس عليهم، ووجد بعضهم ميتا"، بحسب نقيب بوزارة الداخلية العراقية، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن ظاهرة المشردين تحتاج إلى معالجة متكاملة، فالشرطة التي يطالبها الناس باعتقالهم تسأل أيضا: أين نأخذهم؟

وأضاف "لا دار لإيوائهم ولا يمكن سجنهم لأنهم ينامون بالشارع ولم يتركبوا جريمة، بل الحكومة هي التي ترتكب جريمة بحقهم"، لافتا إلى أن من بين "المشردين أطفال ومراهقون، ونساء، وكثير منهم يعانون أمراضاً نفسية، ومن واجب الحكومة أن تخصص مبنى لهم بشكل عاجل لجمعهم، أما بقاؤهم على هذا الحال فهو غير إنساني".


وتضم بغداد دارين صغيرين لإيواء المشردين من كلا الجنسين لا تكادان تتسعان لبضع عشرات منهم، وتعاني الداران من قلة الدعم وسوء الأوضاع المعيشية فيهما، فضلا عن وجود اتهامات استغلال لهم من قبل حراس الدارين، ما يجعل الكثيرين يفضلون العيش بالشارع على العيش هناك.


الباب الشرقي والباب المعظم والفضل وشارع السعدون والكفاح وأبو نؤاس وبغداد الجديدة والنهضة والعلاوي ومناطق أخرى من العاصمة، تعتبر مقصد المشردين، ففيها جسور وأنفاق ومحلات وأزقة وساحات عامة تحتوي على بقايا هياكل سيارات أو عربات بيع مختلفة، وهي أمكنة آمنة نسبيا لهم، وفقا للناشط حسن الأيوبي، الذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن الخطر الأكبر يتمثل في كونهم يتزايدون.


وأضاف "لكل مشرد منهم قصة، أحدهم كان معلما والآخر عسكريا، وهناك كبار سن وتجار خسروا كل ما لديهم.."، ودعا الحكومة العراقية إلى معالجة الموضوع بعيدا عن اعتقالهم، لأنهم لم يرتكبوا أي جرم، بل احتضانهم من خلال بناء مجمع أو استئجار مبنى كبير وإسكانهم فيه، وعلاجهم، ونقل الصبيان منهم والبنات لمكان خاص لتعليمهم، ومحاولة حل مشاكلهم العائلية قبل كل شيء.


بدوره، أكد الباحث الاجتماعي علي السعيدي، لـ"العربي الجديد"، أن ظاهرة المشردين لم تكن منتشرة بهذه الصورة من قبل، فبرغم وجود أسبابها كانت الحكومة توفر لهم ملاذا ومأوى ولا تسمح أن يصل العراقي إلى النوم في الشارع.


وأضاف "دار الإحسان، وهي أقدم مكان لإيواء المشردين عرفه العالم قديماً، شيد في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد على ضفاف نهر دجلة، وسط بغداد، وكان أغلب سكانه من غير العرب من الذين قدموا لبغداد وتقطعت بهم السبل، غير أن بغداد اليوم تعاني شوارعها من ظاهرة المشردين، وللأسف هم عراقيون وتتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية ذلك".


وأكد أن "المساجد صارت تطردهم، وهذا من حقها، لكن على القائمين على تلك المساجد أن يذكروا المسؤولين بحق الناس ووقف الفساد الذي بات يقتل أيضا".