"المدينة النائمة" تحارب الشيشة

"المدينة النائمة" تحارب الشيشة

29 مارس 2017
انتشارها كبير جداً (سايمون ماينا/ فرانس برس)
+ الخط -
أخذٌ وردّ يحكمان قرارات سلطات العاصمة السودانية الخرطوم في ما يتعلق بحظر تدخين الشيشة أو النارجيلة. القرار الأخير بدأ تطبيقه السبت الماضي وفيه تشديد على إغلاق مقاهي الشيشة ووقف تقديم تراخيص مزاولة هذه المهنة. وهو قرار تبرره السلطات بالآثار السلبية على صحة المواطنين أكانوا من مدخني الشيشة أم لا.

في المقابل، لاقت الخطوة الحكومية استنكاراً واحتجاجاً وسط شريحة واسعة من مدخني الشيشة، لا سيما الشباب. وأنشأ بعضهم صفحات ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي لمناهضة القرار، الذي عدّوه انتهاكاً لحقوقهم، بالنظر إلى سماح الحكومة بتدخين السجائر من دون أن تلجأ يوماً إلى حظرها، وهي مساوية للشيشة في الإضرار بالصحة بشكل عام.

وبالفعل، نفذت الجهات المختصة في الخرطوم عمليات إغلاق لمقاهي الشيشة في الخرطوم، وبدأت في ملاحقة مخالفي القرار عبر مداهمات شرعت شرطة النظام العام في تنفيذها، لتعود "الكشّات"، أي حملات الشرطة، سيفاً مصلتاً على رقاب المطاعم والمقاهي التي تقدم الشيشة.
في العادة، تعمد السلطات إلى محاكمة مخالفي القرار بالغرامة فضلاً عن مصادرة أدوات الشيشة، لكنّ المخالفين يعودون في اليوم التالي عبر شراء أدوات أخرى ومزاولة النشاط وإن مواربة.

القرار ليس الأول من نوعه، فقد طبقت الحكومة في ولاية الخرطوم القرار نفسه عام 2010 وتراجعت عنه عام 2013، وسمحت للمقاهي والمطاعم والفنادق المختلفة بتقديم الشيشة للزبائن مقابل رخصة مصدّقة بمبلغ سنوي. وهو ما كان مطبقاً حتى السبت الماضي.

في الفترة الأخيرة، زاد تدخين الشيشة، لا سيما في صفوف الشباب الذين يمضون أوقاتاً طويلة من الليل في المقاهي، ليمتد الأمر ببعضهم حتى ساعات الصباح الأولى. ويزداد الإقبال على تلك المقاهي ومعها تدخين الشيشة خلال بث مباريات كرة القدم المحلية والإقليمية والعالمية.
الإقبال على الشيشة لا يرتبط بطبقة اجتماعية من دون أخرى، إذ تساهم الأسعار التي تتراوح ما بين دولار واحد مقابل كلّ شيشة في مقاهي الأحياء الشعبية، و7 دولارات ونصف في المقاهي والمطاعم والفنادق الراقية، في عبورها الطبقات وانتشارها أكثر.

وعلى صعيد الفئات العمرية، تمثل جلسات الشيشة متكأ لكثير من الشباب السودانيين، ممن يلتفون حولها في مجموعات سمر تتناول قضايا البلاد المختلفة. فالسودان يفتقر إلى أيّ بدائل للترفيه كالنوادي والمراكز الثقافية الشبابية، بل يرتبط معظم النوادي في السودان بحفلات الزواج والمناسبات المختلفة إلى جانب حفلات الفنانين في بعض المواسم. وتُعرف الخرطوم بين أهلها بـ"المدينة النائمة" إذ تنطفئ الأنوار ويخلد معظم سكانها للنوم منذ التاسعة مساء، فتنخفض حركة السيارات باستثناء مناطق قليلة جداً.

شعبياً، يواجه القرار معارضة، ويتساءل محمد (30 عاماً) عن سماح السلطات لمصنع محلي بإنتاج أنواع عديدة من المعسّل وهو أساس الشيشة بينما تحظر تدخينها. ويضيف: "إذا كان في الأمر حرمة شرعية أو إضرار بالصحة لماذا لا ينسحب ذلك على تعاطي السجائر فتحظر كما الشيشة لتشابه الأضرار الصحية"؟ ويردف: "عموماً، لا أعتقد أنّ هناك مدخن شيشة سيتوقف عنها، فقد سبق للسلطات الحظر واستمر تدخيننا لها. كنا نتواصل مع بعضنا البعض للتعرف على أماكن الشيشة البعيدة عن أعين السلطات".

بدوره، يشير عبد الله (45 عاماً) وهو صاحب مقهى يقدم الشيشة، إلى أنّ المدخنين ازدادوا في الفترة الأخيرة وقد وصل عددهم إلى نحو 300 في مقهاه يومياً. لكنّه يؤكد أنّ المبررات التي تساق لحظر الشيشة غير منطقية: "لا نفهم لماذا سمحوا بتقديم الشيشة عبر رخصة مصدّقة بمبلغ سنوي، ثم ألغوا ذلك، خصوصاً أن لا قانون يجرّم الشيشة في البلاد".

مع إصدار حاكم الخرطوم قرار منع الشيشة عام 2010، وتبريره الخطوة بالقضاء على الآثار السلبية لتدخينها، سارع الرئيس السوداني عمر البشير إلى تأييد الخطوة، وطالب جميع حكام الولايات بـ"تحرير البلاد من خطر الشيشة".

في المقابل، تختلف نظرة الخبراء إلى القرار، إذ يعتبره البعض متأخراً بالنظر إلى الأضرار التي تسببها محلات الشيشة التي تحول بعضها إلى مقرات معتمدة لتعاطي المخدرات، كما تحولت إلى بيئة خصبة لترويج المخدرات. مع ذلك، تؤكد الباحثة الاجتماعية آمنة عبد المطلب أنّ القرار الأخير كان من المفترض أن تسبقه دراسة متكاملة فضلاً عن حملات توعية، إلى جانب خلق بدائل ترفيه مناسبة لمدخني الشيشة في ولاية الخرطوم.