أم علي: هربتُ من القصف ونسيتُ طفلي

أم علي: هربتُ من القصف ونسيتُ طفلي

15 يوليو 2015
عندما رأيت الأشلاء لم أتنبّه إلى صغيري (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يخطر قطّ في بال أم علي (31 عاماً) أن تقضي يوماً واحداً بعيدة عن رضيعها، فلا تحتضنه ولا تلاعبه ولا تغنّي له "دلِلُّول يالولد يا ابني دلِلُّول".. تهويدة الأمهات العراقيات الشهيرة. هي كانت قد انتظرت ولادته ستّ سنوات، مع زوجها أبو علي الذي قُتل قبل نحو شهرَين بقصف القوات الحكومية أحياء الرمادي بعد تقدّم تنظيم "داعش" في المدينة.

في الساعة الخامسة فجراً من ذلك اليوم المشؤوم، راحت الصواريخ والقذائف تنهمر من كل حدب وصوب على وسط الرمادي. لم تكن أم علي قد استفاقت بعد من هول خسارة زوجها، وهرعت مع عمّتها (والدة زوجها) إلى حديقة المنزل خشية من انهيار المنزل عليهما. كان الدخان يخفي كل شيء وكانت الانفجارات الهائلة تهزّ الأرض حول المنزل الذي تكسّر زجاج نوافذه.

بعدما هدأ القصف، خرجت أم علي إلى الشارع لترى أشلاء متناثرة وبيوتاً مهدّمة ونساء وأطفالاً جرحى يصرخون ولا أحد ينقذهم. كذلك كانت السيارات التي تكدّس فيها الأطفال والنساء تغادر المنطقة على عجل. تخبر: "في الشوارع، كان الجميع هائماً. كأنه يوم القيامة". وجدت أم علي وعمّتها مكاناً لهما في إحدى سيارات الجيران. هي تركت كل شيء خلفها. كل ما كانت تملكه، هو الملابس التي ترتديها. وانطلقت السيارة بهما عبر الصحراء إلى معبر "بزيبز" الذي يربط الأنبار بالعاصمة العراقية بغداد.

بعد نهار طويل على الطرقات الصحراوية الخطيرة، وصلت أم علي وعمتها وآلاف آخرون إلى معبر بزيبز. كانت مذهولة ومصدومة، وراحت تتلفت يميناً ويساراً. هنا أطفال صغار يصرخون في أحضان أمهاتهم من العطش والحر الشديد. وسقطت أم علي مغشياً عليها. بكاء هؤلاء الصغار ذكّرها برضيعها الذي نسيته في المنزل. وبحسرة تقول: "عندما رأيت الأشلاء المتناثرة في الشوارع وصراخ الجرحى يملأ المكان والقنابل والصواريخ تتساقط علينا، لم أتنبّه إلى أخذ صغيري من فراشه. وأنا كنت قد وضعت فراشه تحت درج المنزل، ظناً مني أنه سيبقى محمياً هناك في حال سقط صاروخ على منزلنا".

لم يكن بإمكانها العودة إلى الرمادي، بعد قطع جميع الطرقات المؤدية إلى المدينة واستعار المعارك. وسلّمت أمرها لله. ولعلّ ما جعل مصيبتها تهون، هو أنها عاونت بعض النساء على دفن أطفالهن بالقرب من معبر بزيبز. هم توفوا نتيجة العطش والجوع.

عندما عادت أخيراً إلى منزلها، وجدته وقد انهار نصفه. لم تجد لا علي ولا فراشه. خسرت أم علي زوجها وصغيرها في هذه "الأيام السوداء"، وحاولت الانتحار أكثر من مرّة. لكنها ما زالت تبحث عن صغيرها وهي تأمل أن يكون أحد الجيران قد أنقذه من الموت وحمله إلى مكان آمن.

اقرأ أيضاً: أكثرُ من نزوحٍ في العراق