مئات المغاربة يمتهنون بيع دمائهم

مئات المغاربة يمتهنون بيع دمائهم

07 أكتوبر 2014
البعض يبيع دمه وآخرون يتبرعون (فرانس برس)
+ الخط -

تتنوع حكايات العاطلين في المغرب في طرق ضمان قوت يومهم، حكايات وقصص مثيرة تصل إلى حد الغرابة. لعل أشدها وقعاً على النفس بيع الدم أمام المستشفيات والعيادات.
"أرفض أن أمد يدي لأي كان، لم أجد سوى دمي للحصول على المال وتأمين بعض قوت يومي" بهذه الكلمات لخص مصطفى (24 سنة) وهو شاب عاطل عن العمل، محنته.
لم يكمل مصطفى دراسته الثانوية لأسباب عائلية، واضطر لترك بيته في سن مبكرة، "تزوجت والدتي بعد غرق أبي في قارب للصيد، فتركت البيت".
مثل مصطفى هناك عشرات الشباب ممن قصدوا أبواب المستشفيات الكبرى للتبرع بالدم، لكن ليس أي تبرع، فهؤلاء لا يعيرون القدرة الصحية وطاقة التحمل اهتماماً، كما تنص على ذلك التوجيهات الطبية.
منهم من يتبرع عدة مرات، مقابل دراهم معدودة، ومنهم من اختار الفترة الصباحية، ومنهم من يفضل القدوم ليلا حيث يكثر الطلب على أكياس الدم.
صلاح (27 سنة) قال لـ"العربي الجديد": "في الليل تكثر حالات حوادث السير، مما يجعل فرص التبرع بالدم أكبر، فأعرض خدماتي بمقابل مادي يبدأ من 400 درهم للكيس الواحد"، ويسترسل "لا أشترط عادة مقابلا ماديا، وأقنع بما تجود به علي عائلات المرضى، لكن إذا تدخل أحد السماسرة فأنا أشترط مبلغا كبيرا بكل تأكيد".
مليكة (في الثلاثينيات) تحكي عن معاناتها وأسباب بيع دمها، قائلة: "كنت أذهب لمدينة سبتة، أجلب ملابس وأقوم ببيعها، لكن بعد أن اشتد الخناق على النساء المتاجرات في الملابس والأغطية، وأصبحت الشرطة الإسبانية والمغربية تهددنا وتأخذ منا سلعنا، توجهت إلى مستشفى الاختصاصات السويسي في الرباط بحثاً عن عمل في النظافة أو المطبخ، فوجدت بعد أن سئمت الانتظار هؤلاء الشباب ممتهني بيع دمائهم، فكرت كثيرا وقررت أن أنضم إليهم".
غير بعيد عن مليكة، تجلس نجاة التي تبدو أكبر سنا، تقول إنها عانت منذ طلاقها من العمل في البيوت كخادمة، "عرفت سر المهنة حين أتيت مع قريبة لي تطلبت حالتها أكياساً من الدم، ليطلب منا أن نتبرع بدمنا، وخلال عملية التبرع اكتشفت أن الأمر يتدخل فيه سماسرة ومسعفون وممرضون وحتى بعض الأطباء، بدأت أتردد على المستشفى أبيع دمي لأعيل أطفالي". وتضيف "أن أبيع دمي مرات عديدة خير لي من بيع شرفي مرة واحدة".
يصطف يومياً مجموعة من الشباب أمام أبواب المستشفيات ومراكز الدم التي أضحت مقرات يقصدونها، حتى إنك ما إن تدلف إلى باب المستشفى حتى يلتف حولك بعضهم عارضا عليك خدماته.
وفي المقابل، هناك بعض الشباب الذين وقعوا في شرك سماسرة أكياس الدم، الذين ينتشرون بين المستشفيات والمصحات الخاصة لاصطياد الزبائن وتوفير أكياس الدم بالفئة المطلوبة، وهؤلاء تنشط تجارتهم طيلة أيام السنة، ويوفرون مخزونا احتياطيا موازيا لبنوك الدم في المغرب.
يتربصون بالحالات المستعجلة وأقارب المريض ليعرضوا خدماتهم، قبل أن يبدأ التفاوض حول المبلغ الذي قد يصل أحيانا إلى أكثر من 2500 درهم للكيس الواحد، حوالى 300 دولار أميركي، خاصة إذا تطلب الأمر تعويض المريض بفصيلة دم نادرة.
تختلف الأسباب والدوافع التي بسببها يحضر هؤلاء لسكب دمائهم في أكياس التبرع، فبالإضافة إلى الفقر والحاجة، هناك من المتبرعين من يتوجه لمراكز الدم للتبرع بدمه للمحتاجين بدون مقابل؛ رغبة في إنقاذ حياة المرضى، وأحيانا استجابة لنداء ملكي، أو لحملة تبرع وطنية.
وهناك من دفعه إدمان المواد المخدرة أو الكحول إلى البحث عن وسيلة لجلب المال، من دون النظر إلى كونها صحية أو قانونية.
يقول سعيد الذي صادفه "العربي الجديد" أمام مستشفى الإدريسي بمدينة القنيطرة: "أعرف شبابا يأتون مرارا للتبرع بدمائهم بسبب إدمانهم على تناول المخدرات" واسترسل ضاحكا رغم تجهّم وجهه: "يتبرعون بدم فاسد".
وعن المقابل الذي يتقاضاه هؤلاء الشباب يقول: "أغلبهم لا يشترط مقابلا ماديا محددا، بل يقنع بما يُقدم له، وهناك من يتقاضى 50 درهما فقط كمقابل، حوالى 5 دولارات، فكل همه الحصول على ما يخمد نار إدمانه".

وللطبيب رأي

بين من دفعته الفاقة، أو دفعه الإدمان إلى بيع دمه، يبقى الخطر قائما رغم ما يجنيه معظمهم من أموال قد لا تقارن بالعديد من المخاطر التي تهدد سلامتهم الصحية، حيث إن هناك مضاعفات خطيرة يسببها الإكثار من التبرع بالدم، يأتي على رأسها مشاكل تتعلق بالدم، كالأنيميا أو فقر الدم وأمراض القلب والأمراض الصدرية المزمنة.
وينصح طبيب مداوم بمركز الدم في مستشفى الإدريسي بالقنيطرة بعدم التبرع بالدم بشكل مستمر، موضحا أن المتبرع يستطيع التبرع بانتظام كل ثلاثة أشهر بالنسبة للرجال، وكل أربعة أشهر بالنسبة للنساء. كما أشار إلى أن المتبرع يعوض كمية الدم التي فقدت خلال ساعات، ويمكنه مزاولة أنشطته العادية بعد عملية التبرع.

دلالات