أزمة ثقة بمكتب الهجرة واللاجئين في ألمانيا

أزمة ثقة بمكتب الهجرة واللاجئين في ألمانيا

31 مايو 2018
مصيرهما وطفلهما مجهول (ألكسندرا بيير/ Getty)
+ الخط -

طغت فضيحة المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ولاية بريمن الألمانية على الملفات الأساسية الأخرى التي تشغل المسؤولين في البلاد، وأبرزها تخلّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني، ونيّته فرض رسوم جمركيّة "عقابية" على منتجات أوروبية. وقد ظهرت تفاصيل جديدة متعلقة بملف المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا، لا سيّما وقد ثبت أنّه منح بين عامي 2013 و2016 إقامات لأكثر من 1200 شخص من طالبي اللجوء لا يستحقونها ومن دون سند قانوني. وثمّة شكوك حول تلاعب أفرع أخرى للمكتب في عدد من الولايات ومنح إقامات في مقابل رشوة.

بيّنت التحقيقات الأخيرة أنّ المحكمة الابتدائية في ولاية بريمن تشتبه في أن يكون مترجم فوري ووسيط وراء هذه القضية، إذ تشير معلومات إلى إنّ المترجم كان يتقاضى بالتنسيق مع الوسيط مبلغ 500 يورو في مقابل معلومات خاطئة عن طالب اللجوء تسمح للأخير وبعد تسجيل كل البيانات بالحصول على إقامة لاجئ. وهذا أمر أكده عدد من اللاجئين الذين وصلوا في عام 2015 إلى ألمانيا، لـ"العربي الجديد"، موضحين أنّهم تلقّوا عروضاً لتحديد موعد مبكر لدى المكتب في مقابل 300 يورو، أو الحصول على إقامة في مقابل ألف يورو. وقد دفعت نتائج التحقيقات وزير الداخلية، هورست زيهوفر، إلى إصدار قرار منع بموجبه المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ولاية بريمن من البتّ بأيّ طلبات لجوء في الوقت الراهن، علماً أنّ التحقيقات تطاول رئيسة المكتب وخمسة متهمين آخرين. وقد أشارت تقارير صحافية إلى أنّ عدداً من الموظفين يصنّفون في خانة الموظفين غير الآمنين، ومن المرجح أن تطاولهم التحقيقات، في حين تشكّل فريق تحقيق مشترك من الوكالة المركزية لمكافحة الفساد ومكتب الشرطة الجنائية في الولاية بدعم من الشرطة الفدرالية. وثمّة كلام عن أنّ رئيسة المكتب السابقة عملت مع عدد من المحامين وبصورة منتظمة، معظمهم من ولايتَي ساكسونيا السفلى وشمال الراين - وستفاليا.

وسط شكوك في أنّ الأمر قد لا يكون مقتصراً على ولاية بريمن، طلبت وزيرة العدل، كاترينا بارلي، عيّنات عشوائية من كلّ أنحاء ألمانيا، لعلّ الشبهة لا تكون عامة وتشمل جميع موظفي المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. من جهتها، بدأت وزارة الداخلية الاتحادية بالتدقيق في عمل فروع أخرى للمكتب، فظهرت حتى الآن نواقص كثيرة في دوسلدورف وبون في ولاية شمال الراين - وستفاليا.


في السياق، برّر عدد من وزراء داخلية الولايات وجود أخطاء قد تكون "غير فادحة"، ورأوا أنّه لا يجب إلقاء اللوم على الموظفين، خصوصاً أنّهم ليسوا من أصحاب الخبرات الطويلة وهم يعملون بعقود محدّدة المدة منذ بدء أزمة اللاجئين ولم يخضعوا إلا إلى دورات بسيطة. ومن جهتهما، يبدو أنّ حزبَي "البديل من أجل ألمانيا" و"الديمقراطي الحرّ" يترددان في طلب لجنة تحقيق برلمانية، إذ إنّ مسار التحقيق بطيء والمطلوب هو التوصّل إلى نتيجة في أسرع وقت ممكن. تجدر الإشارة إلى أنّ اللجنة في حاجة إلى ما لا يقلّ عن ربع أصوات البوندستاغ الألماني المؤلّف من 709 نوّاب، وهذا ما يفتقر إليه الحزبان.

إلى ذلك، أثار الأمر كذلك انتقادات لاذعة للسلطات الرسمية التي رأت أنّه لا يمكن لأشخاص تابعوا ورش عمل لأيام محدودة، اتخاذ قرارات من قبيل الموافقة على طلبات لجوء، خصوصاً أنّ ثمّة حالات كثيرة معقّدة وتتطلب دراسة من موظفين ذوي خبرة في تطبيق قوانين الهجرة واللجوء. وفي هذا السياق، يرى عدد من المعترضين على سياسة اللجوء أنّ ألمانيا هي البلد الوحيد الذي يستطيع أيّ شخص الدخول إلى أراضيه من دون أوراق قانونية ويصعب على السلطات ترحيله في حال رُفض طلب لجوئه، لأنّه من الصعب الحصول على وثيقة رسمية من بلاده لترحيله بفعل الرفض والتراخي وعدم اكتراث المسؤولين هناك. ويساْل هؤلاء كيف يمكن للاجئ عقد العزم على ترك بلاده أن يحتفظ بهاتفه الجوّال طوال رحلته المحفوفة بالمخاطر، بينما لا يحمل هويّته ولا بطاقة تعريف رسمية عنه.

ويطالب سياسيون من الموالاة والمعارضة، على حدّ سواء، بتقديم إيضاحات عن العواقب التي تنتج عن هذه الفضيحة، من قبيل متى علمت رئيسة المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، يوتا كورد، بالأمر؟ وكيف يمكن لفرع المكتب في بريمن أن يقرّر في طلبات لاجئين من ولايات أخرى؟ وما هي مفاعيل نتائج التحقيقات؟ وهذه عيّنة من الأسئلة التي تتضمّنها قائمة من 60 سؤالاً يرفعها "حزب الخضر" إلى وزير الداخلية ورئيسة المكتب الاتحادي. يُذكر أنّ أوّل من أمس، الثلاثاء، كان اجتماع لساعات بين وزير الداخلية زيهوفر ولجنة الشؤون الداخلية في البوندستاغ بهدف الاطلاع منه على حيثيات القضية. وانتهت الجلسة باعتذار الوزير، نيابة عن الحكومة الاتحادية، عن أفعال ممثليها، متعهداً بالقيام بكلّ ما يلزم لتوضيح ما جرى ومعالجة العيوب واعتماد الشفافية الكاملة وتحديد أوجه القصور المنهجية المحتملة في الملف.


تجدر الإشارة إلى أنّ المستشارة أنجيلا ميركل كانت قد أعلنت عن دعمها الكامل لوزير الداخلية زيهوفر عشيّة اجتماعه مع لجنة التحقيق البرلمانية. وهذا ما أكّده في حديث لمجوعة "فونكه" الإعلامية نائب رئيس "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، تورستن شيفر غومبيل، في حين شدّد المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت أخيراً على ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية من دون اعتبار للأشخاص، فيتحمّل كلّ واحد مسؤوليته.

المساهمون