الترامبية والداعشية.. ثمن تدفعه الجاليات

الترامبية والداعشية.. ثمن تدفعه الجاليات

14 يونيو 2016
كاريكاتور دنماركي يرفض بقاء المسلمين (تويتر)
+ الخط -
تلك السرعة العجيبة في تبني تنظيم الدولة الإسلامية لهجوم أورلاندو، وقبله هجوم سان بيرناندينو، لا يثير فقط أسئلة عربية وإسلامية. أوروبا التي عاشت على صدمات ما جرى في بروكسل، وقبلها باريس وكوبنهاغن في 2015، لديها أيضا أسئلة تشبه تلك التي يطرحها العرب.


إنها هدية حصل عليها دونالد ترامب، ومن خلفه كل اليمين المتطرف في الغرب، صاحب خطاب: "ارحلوا عنا". فحتى اللاجئون الهاربون من الموت إلى ما يشبهه ببطء، تحيط بهم حملات لا تطاق، تتسع لتفقد صوابها عند فئات اجتماعية محسوبة على يسار الوسط.

كأن دونالد ترامب كان ينتظر هدية أخرى من هدايا "داعش". فقتل وإصابة أكثر من مائة في أورلاندو صبٌّ للزيت على النار، وشحنٌ حقيقي للقائلين: "إن لم تعجبكم ثقافتنا وقيمنا فارحلوا عنا. عودوا من حيث أتيتم".
في المجتمع الأميركي، والروسي، والأوروبي، ثمة حركات وتعبيرات ترفض المثلية الجنسية إلى حد يفوق الهوس بكراهيتها؛ وفقا لاستطلاعات رسمية نشرت في 2014. لكن، أن تستل سلاحا، وتنقل الصحف عن شهود عيان، وبدون أي تأكيد للرواية التي تبناها دونالد ترامب على تويتر: "لقد صرخ قبل أن يطلق النار بعبارة الله أكبر"، هو بالضبط ما انتظرته جماعات التطرف في مجتمعات ترفض فيها نسبة كبيرة المثلية الجنسية، وارتكبت جرائم فردية متسلسلة بحقهم في التاريخ الأميركي.
لكن أن يخرج مسلم ليرتكب مذبحة باسم "الدولة الإسلامية"، فتلك طامة التخلف والجهل. هذا إذا علمنا خبث الربط بين معنى التسمية وذلك التجييش ضد المسلمين: "الدولة إسلامية تحارب قيمنا وحرياتنا".
أبسط استنتاج يصل للغربي، وخصوصا في أميركا، عند طبقات لا تهتم بالجغرافيا والتاريخ، هو صحة ما يقوله ترامب وغيره عن ضرورة طرد المسلمين ووقف دخولهم، وبناء سور مع المكسيك.
لقد نجح ترامب، ونجحت الترامبية الأوروبية، بعيد مذبحة سان بيرناندينو حيث ذهب 14 ضحية من مركز صحي، في تسويق التشدد ضد المسلمين في أميركا، مثلما نجحوا في أوروبا حتى بحق اللاجئين، بعيد هجمات باريس وبروكسل.

شعبوية خطاب ترامب في التعميم تتسع حتى وصلت صباح أمس الاثنين، إلى تبنيها بوضوح في اسكندنافيا مع رسم كاريكاتوري مفزع للبعض، لكنه يرضي غرور واستعلائية الآخر. لقد كتب ترامب أمس بعيد الهجوم متسائلا: "هل سيقوم الرئيس أوباما أخيرا باستخدام عبارة الإرهاب الإسلامي المتطرف؟".
هدية داعش الرمضانية لدونالد ترامب وصلت حدود الجنون حين راح خبراء أوروبيون، وأميركيون، يخاطبون مجتمعاتهم بعبارات: "في شهر رمضان تكثر عمليات التحريض على القتل". عجيب هذا الربط، هم أنفسهم قبل يومين فقط كانوا يتغنون بمسلم آخر هو محمد علي كلاي، الذي رفض قتل الفيتناميين في حرب أميركية هناك؟
إذا كانت المجتمعات الأوروبية تتعالى فيها أصوات "التسلح" (بداية برذاذ الفلفل) منذ حادثة كولون الشهيرة، فإن أصواتا أخرى تتعالى لتبني النمط الأميركي في التسلح، وضد من؟ لا يحتاج الأمر لعناء البحث عن المستهدف في غمرة الحملات المسعورة ضد اللاجئين والمواطنين من أصول مهاجرة في بلدان أوروبية لم يكن يعرف عنها سوى مسالمتها.

الجدل في المجتمعات الغربية، كارتداد طبيعي لكوارث أخرى تمارس في أوروبا من قبل قلة تعيش فيها، داعية في الوقت ذاته إلى قتل مواطني تلك المجتمعات، هو جدل لا يصيب فئة بعينها، لأنه لا داعشي أصلا يكتب على جبينه في شوارع الغرب "أنا من داعش وسأقتلكم".
في المجتمعات الأوروبية، التي استقبلت العام الماضي أكثر من مليون لاجئ/ مهاجر، يقع المسلمون والعرب بين نارين: نار من تعميم التهم بحقهم جميعا، وربط رمضان بالعنف كمستجد في قاموس مجتمعات أوروبا، ونار رفض هذه الأفعال المشينة باسمهم.

يتسع التخوين والتكفير والتهديد، تشبيحا وبلطجة، بحق من يقولون: ليس باسمنا. هل نتذكر يوم كان معسكر اليمين الذي ضم جورج بوش وديك تشيني وشركاءهما كتوني بلير وغيره يحضرون لغزو العراق؟ كم أوروبيا خرج في الشوارع يرفع شعار "ليس باسمنا" لمعارضة غزو هذا البلد العربي؟

في مايو/أيار الماضي حاول ترامب أن يخفف من خطابه العنصري قائلا:" إنه مجرد اقتراح" (عن منع دخول المسلمين). وبغض النظر الآن عما إذا كان يعنيه أم لا، فقد وقعت الواقعة التي قدمتها داعش له على طبق من ذهب، كما فعلت في سورية لمصلحة حلف واضح في ذبح وتشريد السوريين.
من الآن وحتى نوفمبر/تشرين الثاني، ستصبح حجج الترامبيين أينما كانوا مسلطة على جاليات كبيرة متهمة ضمنيا بالإرهاب، وستتسع الفجوة التي أرادها هذا التنظيم بين المسلمين والعرب ومجتمعاتهم الغربية. إنه استنهاض آخر لخطاب الكراهية بأفعال تنسب عنوة إلى المسلمين تحت تسمية الدولة.
وبغض النظر عما إذا كان المرتكب حقا قد قدّم الولاء لدولة مفترضة، أم أنه واحد ممن يطلقون عليهم "الذئاب المنفردة". فإن بروباغندا التلاقي الفاشي والداعشي حاليا في أزهى أوقاتها.

المساهمون