نزاعات حول الأراضي الزراعية في المغرب

نزاعات حول الأراضي الزراعية في المغرب

25 يونيو 2019
اتجاه إلى الحلّ (جان لوك ماناو/ Getty)
+ الخط -
ينقلب الوئام والجوار بين عدد من الأسر والقبائل في البوادي والأرياف بالمغرب إلى مشاحنات وخصومات تنتهي أحياناً بمواجهات دامية تتخللها معارك بالأسلحة البيضاء والحجارة، وتنتهي بجروح وكسور وأعطاب جسدية وأحياناً تخلف قتلى، بسبب خلافات حول حدود أراضٍ زراعية بين القبائل.

أحد الخلافات الأخيرة حول ملكية الأراضي وترسيم حدودها بين القبائل، ما وقع في إبريل/ نيسان الماضي، إذ احتدمت الخصومة بين عائلتين في ضواحي مدينة شفشاون شمال المملكة، حول حدود قطعة أرض، وانتهت باستخدام الرصاص من الجهتين، ووقوع إصابات وجرحى بين أفراد العائلتين المتناحرتين.

قبل هذا الحادث، وفي الشهر نفسه، شهدت منطقة زاكورة جنوبي البلاد، صراعات دامية بين سكان قبيلتين حول أرض زراعية، استخدم فيها الطرفان أسلحة بيضاء وهراوات وحجارة، إذ كان كلّ طرف يدّعي ملكية جزء من حدود قطعة الأرض المتنازع حولها، بسبب عدم خضوع هذه الأراضي للترسيم القانوني.




وفي منطقة قلعة السراغنة، انتهت الخلافات الدائمة بين سكان ثلاث قبائل حول "أراضي الجموع"، أو ما يسمى الأراضي السلالية، والتي تتسم بكونها ملكية للجماعات السلالية، وبكونها بحسب القانون غير قابلة للتقادم أو الحجز أو البيع. وقد زعم كلّ طرف أنّ جزءاً حدودياً من هذه الأرض تعود إليه، ليتطور الأمر إلى مواجهات دامية.

يقول الباحث القانوني في قضايا الأراضي السلالية، حميد الله زغنون، لـ"العربي الجديد" إنّ الأراضي السلالية المملوكة من طرف القبائل، والتي تستفيد منها بالحرث والرعي والسكن في هذه المساحات الأرضية، وهي الأكثر إثارة لنزاعات تكون أحياناً خطيرة بين أفراد القبائل حول الأرض نفسها، أو حول ترسيم حدود الأراضي التي في حوزتهم. يتابع أنّ النزاعات التي تتعلق بأراضي القبائل السلالية وصلت بحسب الأرقام المتداولة إلى أكثر من 7600 قضية معروضة أمام المحاكم، حتى العام الجاري، كما أنّ أهمية أراضي الجموع ومساحاتها الكبيرة، والتي لم تخضع للترسيم القانوني، تبيّن صعوبة ضبط هذا الملف من طرف السلطات.

بعد دعوة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في أواخر العام 2018، إلى تعبئة الأراضي الزراعية المملوكة للقبائل السلالية، بهدف إنجاز المشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي، أطلقت أجهزة وزارة الداخلية في العام الجاري، خطة التحفيظ العقاري لهذه الأراضي، أي ضمها إلى السجلات العقارية، ومن المرتقب أن يجري تحفيظ 5 ملايين هكتار من الأراضي السلالية. يؤكد زغنون، في هذا الصدد، أنّ هذا العمل الكبير الذي تشرف عليه وزارة الداخلية سيكون فاعلاً جداً في نزع فتيل العديد من المشاكل والمشاحنات والنزاعات بين القبائل السلالية، إذ بفضل هذا التحفيظ والتمليك ستعرف كلّ قبيلة ما لها وما عليها، وبالتالي سيكون القانون هو الفيصل وليست الحدود غير المرسمة، والتي أحياناً يجري رسمها بالطوب والحجارة فقط.

في هذا السياق، يروي الحاج نجيح عبد الله، لـ"العربي الجديد" كيف عانت قبيلته من ترسيم الحدود مع قبيلة مجاورة، بسبب الاحتيال في وضع رسم للحدود، إذ كان المتعارف عليه وضع الحجارة بشكل متراص لإبراز حدود كلّ قطعة أرض وفصلها عن المجاور لها. يتابع أنّ أفراد القبيلة المجاورة كانوا يعمدون في أوقات متأخرة من الليل إلى تغيير ملامح الحدود ووضع الحجارة بمسافة متر أو أقل من ذلك داخل الحيز الترابي لأراضي قبيلته، والتي تملك أسرته فيها جزءاً كبيراً: "كانوا يفعلون ذلك بين الفينة والأخرى حتى تغيرت الحدود بشكل مفضوح".

يستطرد أنّ رجال قبيلته وحكماءها وكبار السن فيها كانوا يشتكون إلى رجال القبيلة الثانية لعلّهم يتراجعون عن فعلهم، بالنظر إلى أعراف المنطقة وعدم الانجرار إلى المحاكم، لكنّ الجواب كان كلّ مرة إنكار فعل ذلك، إلى أن تطورت الأمور فوقعت مشاحنات قوية بين القبيلتين. ولم يقتصر ذلك على المشاجرات بين أفراد القبيلتين في ضواحي منطقة القليعة بل التهجمات الصريحة لبعض رجال القبيلة وشبابها ضد القبيلة الثانية، وهو ما دفع المتعرضين للاعتداءات إلى اللجوء للمحكمة". يردف: "المحكمة لم تبتّ بعد في الملف بالرغم من طول المدة".




يعتبر مراقبون أنّ نشوب نزاعات ومشاجرات دامية أحياناً بين أفراد بعض القبائل القروية حول ترسيم الأراضي الفلاحية، يعود إلى أسباب تاريخية واجتماعية في الأساس، فالمعطيات التاريخية تتمثل أساساً في الاستعمار الفرنسي الذي لم يقم بتحفيظ هذه الأراضي، وتعمد تركها بلا حدود مرسومة، حتى تستمر الخلافات بين القبائل، ولا تتحد القبائل لطرد المحتل. أما المعطى الاجتماعي فيتجسد في الأساس في كون العديد من القبائل القروية تركن إلى العرف عوضاً عن القانون، وتتعامل بالأحكام القبلية السائدة، إذ يجري فض النزاعات بين أفراد هذه القبائل والجماعات القروية من دون اللجوء إلى القانون، وهو ما تسبب في استمرار الخلافات حول ترسيم الحدود منذ عهد الاستعمار حتى اليوم. لكن لا يمكن إنكار أنّ عدد هذه الحوادث حول ترسيم الحدود بين القبائل قلّ مقارنة مع سنوات سابقة، بفضل قرار الحكومة سَنّ التحفيظ الجماعي لهذه الأراضي، عبر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطي (مؤسسة حكومية).