مظالم السودانيين... خيام في ساحة الاعتصام من أجل العدالة

مظالم السودانيين... خيام في ساحة الاعتصام من أجل عدالة اجتماعية

21 مايو 2019
من ساحة الاعتصام (العربي الجديد)
+ الخط -
في ساحة الاعتصام في السودان اليوم الكثير من المواطنين الذين نصبوا خياماً للتعبير عن الظلم الذي تعرضوا له على مدى سنين طويلة في ظل حكم نظام عمر البشير. هؤلاء في الساحة اليوم من أجل رفع الظلم وتحقيق العدالة والمطالبة بحقوقهم

في الأيام الماضية، وبعدما تناولت إفطارها الرمضاني في ساحة الاعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني، حملت محاسن هارون لافتة من قماش، كتبت عليها أبيات شعر تمجد دور المرأة السودانية في صناعة الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير في 11 إبريل/ نيسان الماضي.

تردّد هارون شعارات الثورة بوجود أطفالها. وعن أسباب إصرارها على المشاركة في الاعتصام، تقول إن كل شخص شارك في الاعتصام يحمل معه ظلماً ما. وتوضح أنّ الظلم الذي تعانيه يتلخص في كون شقيقها عمر هارون، الناشط وأستاذ علم النفس في جامعة الخرطوم، قد فُقد أثره منذ عام 2012، من دون أن تعرف العائلة عنه شيئاً حتى اليوم.

قضية اختفاء هارون كانت قد أثارت جدالاً كبيراً في البلاد، وفشلت السلطات السودانية في فك طلاسمها حتى الآن. وبعد الثورة، تأمل العائلة أن تحلّ القضية وتعرف مكانه.



وتقول شقيقته إنها تريد من خلال تواجدها في الاعتصام، لفت أنظار الرأي العام أولاً إلى القضية والتذكير بها، ثم المطالبة بإعادة التحقيق فيها والتوصل إلى نتائج حقيقية. محاسن هارون ليست وحدها التي جاءت إلى محيط قيادة الجيش السوداني. قدم كثيرون إلى هذه الساحة حاملين معهم المظالم التي تعرّضوا لها على مدى سنين طويلة.

وعند الجهة الشرقية، اجتمع رجال كسا الشيب رؤسهم في خيمة تحمل اسم "متضررو حربي الخليج الأولى والثانية". ويقول محمد علي محمود إن عددهم 2800 سوداني، وقد خرجوا من العراق والكويت بين عامي 1991 و2003، وتعرضوا إلى ضرر كبير. وتولت الأمم المتحده التعويض عليهم من خلال دفع مبالغ مالية لهم حالهم حال الجنسيات الأخرى.

ويقول محمود إنّ النظام السابق حصل على تعويضاتهم من دون أن يسلمها لهم، مؤكداً أن نصيب الفرد الواحد منها يفترض أن يصل إلى مائة ألف دولار. ويؤكد محمود لـ "العربي الجديد" أنهم نصبوا خيمتهم دعماً للثورة التي أطاحت بنظام نهب حقوقهم، مشيراً إلى أن "شعار الثورة الآن هو حرية سلام وعدالة، ونأمل في عدالة الثورة وإعادة حقوقنا من مال مسلوب من قبل النظام السابق".

هذه مطالبه (العربي الجديد) 


المتظاهرون حملوا معهم إلى ميدان الاعتصام قصص ظلم كثيرة، منها فردية وأخرى جماعية. أفراد خيمة ثوار غرب كرفان (غرب البلاد) قطعوا مئات الكيلومترات لنصب خيمة يذكّرون فيها بالأضرار البيئية الناتجة من إستخراج البترول في المنطقة، وطالبوا بوقف القطع الجائر للأشجار ومعالجة شح المياه ومحاكمة أعضاء جهاز الأمن والاستخبارات الذين عذبوا شباب المنطقة حين طالبوا بتلك الحقوق في وقت سابق. ويتحدث أحمد حمدان، أحد أبناء المنطقة، عن التهميش الاجتماعي في منطقته. يقول إن الطفل يسير نحو 10 كيلومترات ليصل إلى مدرسته، حتى أن المستوصفات الصحية بعيدة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن استخراج البترول في المنطقة أدى إلى الكثير من المشاكل الصحية. ويشير إلى أن أبناء الولاية يرفعون الصوت عالياً، وينتظرون أن تساهم الثورة في الاستجابة لمطالبهم.

أما ثوار بورتسودان (شرق البلاد)، فقد نصبوا خيمة تحت عنوان "لا للجهوية ولا للعنصرية"، وحذّر البعض من استمرار خصخصة الموانئ السودانية، وتحدثوا عن أهمية الحفاظ على ممتلكات المواطنين، وعدم تشريد العمالة السودانية. كما نصبت خيمة خاصة بالنازحين في دارفور الموزعين على عدد من معسكرات النزوح في خمس ولايات. أما الخيام الخاصة بضحايا نظام عمر البشير، فقد خصصت لها مساحات واسعة ومعارض صور.
فضل المولى محمد نور وهو من القيادات القبلية، اختار المجيء إلى مكان الاعتصام لتذكير الناس بالصراعات القبلية، والمطالبة بحل المشاكل بين القبائل الرعوية والقبائل الزراعية.

مستمرون (العربي الجديد) 


ويقول لـ "العربي الجديد" إن هذه المشاكل أدت إلى "مذابح بشرية، ولم تكن الدوافع السياسية بعيدة عن المشاكل". ويوضح أن النظام السابق استغل الجهل وانخفاض نسبة التعليم بين الناس لتنفيذ أجندته من خلال القبائل، مشيراً إلى أن مناطق الصراع القبلي ليس فيها خدمات صحية أو تعليمية، مشدداً على وضع أسس للسلام الاجتماعي بين القبائل، على أن تقف الدولة على الحياد في أي نزاع قبلي من دون إعادة تجربة النظام السابق.

وفي ساحة الاعتصام خيمة اختارت اسم "صوت البادية". ويقول أحد الذين نصبوا هذه الخيمة، إبراهيم علي إزيرق، وهو باحث اجتماعي، إن نحو 60 في المائة من سكان السودان هم من البدو. وعلى الرغم من هذه النسبة العالية، فإن الحكومات المتعاقبة في السودان تجاوزت هذه الشريحة ولم تمنحهم حقوقهم لناحية التعليم والاستقرار والصحة والخدمات الأساسية، ووقع على تلك الشريحة ظلم كبير.



يضيف إزيرق أنّ ثوار صوت البادية لديهم مطالب أساسية أبرزها الاستقرار، ومحاربة الأمية، والابتعاد عن الحروب، وحلحلة مشاكل المرأة البدوية التي تعاني من الأمية، وإنشاء مراكز صحية وأخرى خاصة بالمرأة الحامل، علماً أن نساء كثيرات يفقدن حياتهن خلال الحمل أو أثناء الولادة بسبب غياب الرعاية الصحية، إضافة إلى التوزيع العادل للثروة والسلطة في البلاد، وتوفير الخدمات الأساسية خصوصاً التعليم.

يضيف إزيرق أن ميدان الاعتصام بصورة عامة معرض كبير يسلط الضوء على المظالم الاجتماعية التي دفعت الناس إلى الخروج إلى الشارع للثورة ضد نظام عمر البشر والإطاحة به، مبيناً أنّ من أبرز تلك المظالم وأخطرها هو التمييز الذي تعرضت له الكثير من القطاعات والجهات في العهد السابق، على أساس الدين والعرق واللون والقبيلة. يضيف أن هذا التمييز وحد الشعب الذي خرج إلى الشارع للمطالبة بحقوقه، لافتاً إلى أن الدولة المدنية المقترحة ستحقق العدالة الاجتماعية والحرية والسلام لأن الأنظمة السابقة قضت على حقوق الأفراد وهمشتهم. ويتحدث عن مشكلة أخرى وحّدت الناس وهي مشكلة البطالة التي يعاني منها كثيرون، خصوصاً الشباب من خريجي الجامعات.