مهد من أعواد الدفلى كي لا تصيبها العين

مهد من أعواد الدفلى كي لا تصيبها العين

15 أكتوبر 2016
تمنح الفرح... (فرانس برس)
+ الخط -

"فاطمة تخلف فاطمة. هكذا، يخلف الفرحُ بالثانية الحزنَ على الأولى، لأعيش واحدة من أجمل سنن الحياة: استمرارها". عبد الله يتهيأ متحمساً لاستقبال مولودته البكر، التي من المتوقّع أن تحمل اسم جدّتها الراحلة قبل ثلاثة أشهر. وكان الرجل قد طلب إجازة من عمله لمدّة أسبوع كامل، قبل الموعد المحدد لوضع زوجته، إذ يريد التفرّغ لرعايتها والاستعداد للتأهيل بالصغيرة.

يحرص عبدالله على الوفاء لوصايا أمه التي زودته بها قبل رحيلها. يخبر أنّها "شدّدت على أن يكون مهد الصغيرة مصنوعاً يدوياً من أعواد الدفلى المقوّسة حتى لا تصيبها العين، أو من الخيزران حتى تكون نشيطة. أما قماطها، فلا بدّ من أن يتضمّن قطعة من لباس أكبر مسنّة في العائلة، حتى تتمتع بطول العمر مثلها". يضيف أنّها "أوصتني، أيضاً، أن أطعم زوجتي دقيق القمح والسمن والعسل والدجاج البلدي، حتى يكون ثدياها كريمَين ولا تضطر إلى استعمال الحليب المعلب".

لم يسبق لعبد الله أن خاض تجربة الأبوّة أو استقبل مولوداً، لكنّه يحاول تعويض قلة خبرته باستشارة "مجرّبين من رجال العائلة ونسائها"، حرصاً على عدم الوقوع في أي إهمال. يقول: "لا أملك سيارة، لذلك اتفقت مع جاري حتى يكون مستعداً في أي لحظة، لنصطحب أم فاطمة إلى العيادة الخاصة. كذلك قصدت العيادة لأعرف ما عليّ حمله معي والمبلغ المتوجّب، فنبّهوني إلى وجوب إحضار عقد الزواج لأنهم لا يستقبلون الأمهات العازبات". أما التكاليف، فهي في حدود ثلاثة ملايين دينار جزائري، أي ما يعادل 300 دولار أميركي للولادة الطبيعية، والضعفَين للولادة القيصرية.

وعند سؤاله عن عدم استفادته من الخدمات المجانية لمراكز التوليد الحكومية المنتشرة في كل مكان، ينتفض كأنه طُلب إليه أخذ زوجته إلى المقصلة: "سوف يهملونها والصغيرة. تلد وتبيت فوق الأرض مع الحشرات والقطط، وقد يصل الأمر إلى استبدال الطفلة. كل من استشرتهم نصحوني بالابتعاد عن عيادات وزارة الصحة".

من جهته، يسأل العم موسى مازحاً: "لا أعرف سبباً لإصرار الجزائريات على الوضع ليلاً، إلا رغبة منهنّ في التنكيد على أزواجهنّ في واحدة من أكثر اللحظات منحاً للفرح". كان ذلك عند مدخل إحدى العيادات الخاصة في مدينة الرغاية (شرق الجزائر العاصمة)، حيث أحضر ابنته المطلقة لتضع مولودها الجديد. يقول: "سوف أكون أباه وسوف أقرأ القرآن في أذنه حتى ينشأ صالحاً، وسوف أذبح كبشَين في يومه السابع حتى يحظى بدعاء الناس له".




ويحتفل الجزائريون في اليوم السابع، بعد ولادة الطفل، بما يسمونه "السبوع". قد يكون عرساً متكامل الأركان من طعام وغناء ورقص وبارود لكلّ المعارف، وقد يقتصر فقط على العائلة. وفي قاعة انتظار العيادة الخاصة نفسها، يدور نقاش بين من ينظر إلى هذه المناسبة من زاوية دينيّة ويدعو إلى "الحفاظ على السنّة النبوية التي تنص على ذبح شاة في حال ولدت أنثى وشاتين في حال وُلد ذكر"، وبين من ينظر إليها من زاوية اجتماعية إذ تشكّل فرصة للمّ الشمل، وبين من ينظر إليها من زاوية اقتصادية صرفة. يقول فيصل: "ما يأكله الناس في ليلة واحدة، يمكن أن تتناوله الأم، خلال شهرين، لتسترجع صحتها". يضيف أنّ تكاليف العيادة مع الأدوية، تصل إلى أربعة ملايين دينار (نحو 370 دولاراً) ولست مستعداً لدفع عشرة ملايين أخرى (أكثر من 900 دولار) على أقلّ تقدير".

من جهة أخرى، تذكر الحاجة عقيلة أنّ "في القديم، كانت والدة الحامل تحضر إلى منزل ابنتها عند استدعاء القابلة لتساعدها. أما اليوم، فترافقها بعد خروجها من المستشفى، وتمكث معها أياماً في بيت زوجها قبل أن تصطحبها معها إلى بيت أبيها، حيث تمكث لفترة". والسبب هو أنّ "جدّة الرضيع هي أكثر الناس تحملاً لإكراهات أكله ونومه في الأيام الأولى، كذلك هي الأفضل لتعليم ابنتها العناية به". وتخبر أنّ الجدّة الجزائرية تشرع شهراً قبل ولادة ابنتها، في تحضير البيض والسمن والعسل والدجاج البلدي وزيت الزيتون، مشيرة إلى أنّ "الأيام التي تعقب النفاس هي من أكثر الفترات التي تجعل اليتيمة تحسّ بغياب أمها، لأنها فترة حميمة جداً بينهما".

والجدّات اليوم، ما زلن يحافظن على عادات وطقوس خاصة بالمولود الجديد، على الرغم من اعتراض كثيرين من الجيل الجديد. من تلك العادات والطقوس، تجفيف ملابسه في الظل حتى لا يشقى في العمل تحت الشمس لاحقاً، ووضع بقعة من الكحل على جبينه حتى يكون ذكياً، وقصّ شعره في مقدّمته حتى يكون محظوظاً، وتعليق قلادة من الفضّة على شكل يد في قماطه حتى يُحمى من حسد الحاسدين، ورمي حبله السري في طريق المدرسة حتى يكبر محباً لها.

دلالات