مراكز الترحيب... أوروبا ترسل المهاجرين إلى دول ثالثة

مراكز الترحيب... أوروبا ترسل المهاجرين إلى دول ثالثة

19 يوليو 2018
وصل للتو إلى إسبانيا (خورخي غيريرو/ فرانس برس)
+ الخط -
أزمة المهاجرين هي شغل الاتحاد الأوروبي الشاغل، إذ ترغب دوله في وقف تدفقهم باعتماد دول ثالثة تقام فيها مراكز استقبال، ويجري تدقيق طلبات اللجوء عبرها، فما الجدوى المحتملة؟

بعد ثلاث سنوات من النضال غير المجدي من أجل استجابة أوروبية شاملة لأزمة اللاجئين، يبدو أنّ مقررات قمة الهجرة، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، في بروكسل، لن تكون صعبة التحقق، بإمكانية توصل بعض دولها، ومنها التي تعاني من التدفق المستمر للاجئين، إلى اتفاقات ثنائية لإعادة الذين التمسوا حق اللجوء لديها. لكنّ اقتراح رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بشأن إنشاء مراكز لجوء للمهاجرين في بلدان شمال أفريقيا يلاقي عدم حماسة، بل رفض من الدول المتأثرة، انطلاقاً من أنّ الخطط والمفاهيم المتعلقة بها، أي نقل المهاجرين الذين جرى إنقاذهم في البحر المتوسط إلى تلك المراكز بدلاً من جلبهم إلى أوروبا، يشوبها كثير من الغموض. وهو ما دفع البعض في أوروبا إلى طرح بدائل عن تلك الطروحات.




غموض
كانت اللقاءات قد تواصلت، الخميس الماضي، في فيينا، وهي الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي، بين وزراء الداخلية الأوروبيين، حول إقامة منصات إنزال في أفريقيا للمهاجرين، على أن تقدم الأسس العملية لها خلال قمة غير رسمية للاتحاد في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل في سالزبورغ. من جهته، دعا الاتحاد الأفريقي أخيراً إلى تأسيس مرصد للهجرة في الرباط، مهمته تنسيق سياسات الهجرة بين الدول الأفريقية.

اقتراح إنشاء المراكز، الذي كان قد تقدم بفكرته وزير الداخلية الألماني السابق توماس دو ميزير، عام 2014، وسميت بموجبه المراكز حينها بـ"مراكز الترحيب" يقضي بإقامتها في أفريقيا لتخفيف الموت على المهاجرين وهم في طريقهم إلى أوروبا على أن تقام وفقاً للمعايير الدولية، وهو ما يلقى انتقادات واسعة من قبل خبراء الهجرة في أوروبا. ويتمايز هؤلاء عن مواقف الحكومات الأوروبية في النتيجة المرجوة من مراكز من هذا النوع.

في هذا الإطار، قال خبير الهجرة، جيرالد كناوس، لصحيفة "دي فيلت" إنّ "بعض أجزاء الاتفاق الأوروبي حول الهجرة وضعت بشكل غامض جداً. وحتى الآن لا توجد دولة في شمال أفريقيا مستعدة لتحمل مثل هذه المراكز على أراضيها، بالرغم من ترويج التكتل الأوروبي لها". واعتبر أنّ المشروع سيكون بمثابة كابوس على حقوق الإنسان، بعدما وافق الاتحاد الأوروبي على تشديد سياسته الخاصة باللجوء. كناوس، الذي يشغل منصب رئيس معهد مبادرة الاستقرار الأوروبي في فيينا، بدا مقتنعاً أنّه سيصار إلى إنشاء عدد منها في أفريقيا.

على متن أحد قوارب الموت (خورخي غيريرو/ فرانس برس) 












عدم تعاون

في السياق، اعتبر آخرون أنّه لضمان نجاحها، ولكي لا تكون وهماً، يجب أن تكون الإجراءات واضحة، أي أن يتحدد في غضون أسابيع من يستفيد من صفة لاجئ من المتقدمين بطلبات الحماية، وثانياً يجب أن تكون هناك حوافز لقبول اللاجئين طواعية من خلال إجراء مفاوضات جادة مع دول المنشأ.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مراكز التسجيل في تلك الدول تعتريها دائماً الثغرات في تطبيق الاتفاقات، ومنها تلك المتعلقة بعدم تحديد المهاجرين الذين سوف يستفيدون من حق اللجوء، وما هي الأسس المتبعة، ومن يراقب أسباب تقديم الحماية لهؤلاء، إذ لا يذكر عادة متى يجري نقلهم من المراكز إلى بلد المنشأ عند رفض طلبهم الحماية. وهنا يدور الحديث بشكل خاص حول من تطلق عليه تسمية "اللاجئ الاقتصادي" خصوصاً أنّ بلدان المنشأ لا تتعاون عادة بشكل جيد عندما يتذرع طالب الحماية بفقدان الأوراق الثبوتية ما يجعل الترحيل القسري إلى وطنه أمراً مستحيلاً. وهو ما سيؤدي في المقابل إلى اكتظاظ المراكز التي ستتحول إلى معسكرات احتجاز.

كذلك، رفض خبير الهجرة في مؤسسة "بيرتلسمان"، مهرداد مهريغاني، في تعليق صحافي، اعتماد مصطلح "اللاجئ الاقتصادي" منطلقاً في ذلك من كون القضية ترتبط بأشخاص يغادرون وطنهم لأنّهم مهددون بفعل غياب الحقوق الإنسانية الأساسية، وفي بلدان يكون فيها حكم القانون أقل ضماناً من أوروبا، كذلك هم مهددون بسبب الجفاف أو الجوع أو الفقر المدقع، وبالتالي الافتقار إلى الآفاق والحياة المستقبلية في بلدانهم.




التباس
من الناحية القانونية، اعتبر حقوقيون أنّ إنشاء هذه المراكز، لا يشكل خرقاً للقانون الدولي، إذ في الإمكان إعادة الأشخاص الذين جرى إنقاذهم في البحر المتوسط مباشرة إلى مراكز الاستقبال الأفريقية، طالما أنّ هذا المرفق يضمن الإيواء والأمان، على أن يجري نقلهم بسرعة إلى بلدانهم أو إلى البلد المستضيف. وأشار خبير الهجرة في المفوضية الأوروبية، شتيفان راين، إلى أنّ هناك الكثير من العقبات العملية: "إذا كان هناك مخيم واحد أو اثنان في شمال أفريقيا مثلاً، فكيف يمكن التحكم بأعداد الأشخاص الذين يحاولون طلب اللجوء في هذه المراكز، إذ يمكن لآلاف الأشخاص الوصول من بلدان العبور بسهولة؟ واذا ما كانت هذه الطريقة سهلة للغاية، فلماذا لم تعتمد سابقاً"؟ لفت راين إلى أنّ لا شيء يتحرك في دول الاتحاد الأوروبي، وليس هناك من حلول وسط لردع المهاجرين واللاجئين، والمسألة ليست حماية حدود فقط، إنّما تتطلب حلاً لأزمتها السياسية الداخلية بفرض صيغة للتعاون المشترك. من جهتهم، تحدث عدد من المحللين عن تواطؤ في كثير من المناطق الأفريقية بين المهربين وتجار البشر ورجال الأمن من خفر السواحل من المرتشين، عدا عن عدد من المتنفذين السياسيين المستفيدين من تلك الموجات من الهجرة.

بدورها، وصفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وثيقة الاتحاد الأوروبي بالملتبسة. وشددت على أنّه من أجل تقييم الخطط، فإنّها تحتاج إلى مزيد من المعلومات حول كيفية إنشاء مراكز الاستقبال هذه، بحسب ما أوردت صحيفة "دي فيلت" أي أنّ الوثيقة النهائية كانت تفتقد للبيانات الدقيقة ومنها عدم ذكر البلدان المحتملة ولا الجدول الزمني ولا الخطوات العملية، بالرغم من حثّ الفرقاء في مجلس الاتحاد الأوروبي في وثيقتهم على سرعة استكشاف مفهوم منصات الإنزال الإقليمية بالتعاون الوثيق مع "الدول الثالثة" المعنية، التي ستقام على أراضيها مراكز اللاجئين، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والتشديد على أنّ المنصات يجب أن تعمل ضمن الاحترام الكامل للقانون الدولي.

دعم المجتمعات المضيفة مطلوب (فرانس برس) 












الدول الثالثة

في موازاة ذلك، تبدي "الدول الثالثة" ومنها دول شمال أفريقيا خشيتها من إنشاء تلك المنصات، ويبدو أنّه ليس هناك من رغبة للتعاون. وقد ذكرت تقارير ألمانية أنّ بلداً مثل المغرب، الواقع على الطرف الشمالي من أفريقيا وبلد العبور التقليدي إلى أوروبا من أضيق نقطة عند مضيق جبل طارق، ولا تبعد المسافة أكثر من 14 كيلومتراً عن إسبانيا، يرفض أن يلعب دور الشرطي لأوروبا، ولن يكون هناك توقيع لأيّ اتفاق إلا إذا كانت الأمور مناسبة وواضحة، بعدما رفض وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة هذه الأساليب لتنظيم حركات الهجرة، منتقداً تدابير الاتحاد الأوروبي التي وصفها بأنّها "حلول بسيطة ولها مفاعيل عكسية".

كذلك، فإنّ ليبيا، التي وصل عبر أراضيها العام الماضي 90 في المائة من المهاجرين إلى أوروبا من خلال البحر الأبيض المتوسط، والتي تعاني أساساً من حرب أهلية وانفلات أمني، أعلنت رفضها القاطع لمراكز الاستقبال. وقد تساهم التبرعات المالية والدعم الكافي من أوروبا في تليين الموقف. بالإضافة إليهما، فإنّ وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، أعلن عن موقف بلاده، قبل قمة بروكسل للهجرة نهاية الشهر الماضي، فشدد على أنّ تونس ليست مسؤولة عن تدفق المهاجرين غير الشرعيين على طول سواحل جنوب أوروبا.




وعما إذا كان هناك من بدائل، يتحدث خبراء الهجرة عن ثلاث نقاط محورية يمكن اعتمادها: أولاً تقديم المساعدات السخية إلى الدول المتضررة من المهاجرين الفارين من بلدانهم كما في حالة تركيا. ثانياً اعتماد الاتحاد الأوروبي سياسة لجوء أوروبية تقوم على مبادئ مشتركة حول توسيع تعهداته بإعادة التوطين. ثالثاً العمل على تفعيل شراكات الهجرة العادلة بين أوروبا وأفريقيا، لأنّ الرغبة في الوصول إلى أوروبا لن تتضاءل في أفريقيا خلال الفترة الطويلة المقبلة، فعند ذلك تستفيد أوروبا والمهاجرون والبلدان الأصلية.

المساهمون