إهمال في مدن العراق المحرّرة

إهمال في مدن العراق المحرّرة

14 ابريل 2019
وسط دمار الموصل (فرانس برس)
+ الخط -

تجاوز دمار مدن عراقية محررة 80 في المائة، لكنّ السلطات لم تخصص أموالاً كافية لها أو خططاً لإعادة إعمارها. أمّا الدول المانحة فلم تفِ بوعودها وتخصّص أموالاً لتلك المدن.

بعد أكثر من عام ونصف على تحرير الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، يُعَدّ ملفّ التعويضات الخاص بالمدن المحررة تحدياً كبيراً للحكومة التي لم تتقدّم ولا خطوة واحدة في هذا السياق. المواطنون الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم وحتى معيليهم في الموصل والأنبار ومناطق شمال شرقي ديالى وبيجي والحويجة وغيرها، لم يحصلوا على أيّ تعويض مادي حتى يومنا هذا، بينما أوقفت المنظمات الدولية بمعظمها عملها في تلك المناطق لأسباب مجهولة عموماً، فتفاقمت حدّة المعاناة فيها. أمّا بعض تلك المنظمات فقد انسحبت نتيجة قلة التمويل.

وهذا الواقع من أكبر التحديات التي تهدّد مدن العراق المحرّرة والتي يتجاوز عددها أربعين بلدة وناحية وقصبة تنتشر في شمال البلاد وغربها ووسطها، علماً أنّ تلك المدن لم تكن أفضل حالاً قبل التحرير. الجوع والأمراض يفتكان بأهلها، والبطالة مستشرية بينهم، هم الذين يؤكدون أنّ التحديات القائمة هي بمثابة احتلال جديد لهم... لا شيء يبعث على الأمل بالحياة في تلك المناطق.

تفيد مصادر مطلعة "العربي الجديد" بأنّ "أكثر من 100 ألف طلب تعويض قُدّمت إلى الحكومة، من العائلات المتضررة والتي هدمت منازلها". تضيف أنّ "تلك العائلات عادت إلى مناطقها التي لم تجد فيها سوى الخراب، آملة بالتعويض. وراحت تقدّم الطلبات التي أُهملت من قبل الحكومة". وتتابع المصادر نفسها أنّ "هذا الملف غير واضح. من جهة، الحكومة تعد المتضررين بتقديم تعويضات لهم، ومن جهة أخرى لم تحصل العائلات على أيّ تعويض، الأمر الذي يثير الشكوك حول عزم الحكومة دفع التعويضات من عدمه". وتؤكّد أنّ "استمرار المماطلة الحكومية تجاه العائلات اليوم تسبب في تفاقم معاناتها".




الموصل (شمال) التي شهدت أشرس المعارك في خلال التحرير تُعَدّ من أكثر المحافظات تضرراً، وجانبها الأيمن سويّت أحياؤه بمعظمها بالأرض، ولم تُرفع الأنقاض حتى هذا اليوم. يقول عضو تحالف الإصلاح عن الموصل، باسم الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ملف التعويضات لم يشهد أيّ تقدّم، فالحكومة تتحجج بعدم توفّر المال الكافي وبأنّها تنتظر توفّره لتقدم التعويضات لمستحقيها". يضيف أنّ "المناطق التي تحررت في الموصل غير صالحة للسكن، فبالإضافة إلى الأنقاض، لا تتوفّر المياه ولا الكهرباء ولا أبسط مقوّمات الحياة فيها"، مشدداً على أنّ "هذا الثقل كله على عاتق المواطن".

ويشير الحمداني إلى أنّ "هذا الملف لا يخلو من الفساد، ولا يمكننا إعادته إلى الإهمال فقط. فالمواطنون يشكون حتى اليوم من الروتين القاتل لتقديم معاملات طلبات التعويض، ودوائر اللجنة المركزية للتعويضات تبدو متعسّفة في استكمال المعاملات. أمّا بعد استكمالها فلا يُصرف شيء". ويحذّر من "خطورة هذا الملف وترك تلك العائلات المتضررة بلا مأوى ولا عمل ولا قوت يسدّ رمقها"، محملاً الحكومة "مسؤولية قتل العائلات المتضررة جوعاً بسبب عدم تعويضها".

وحال الموصل ليست استثنائية، فالمعاناة هي نفسها في كل المدن. تقول في السياق النائبة عن محافظة الأنبار (غرب)، زيتون الدليمي، إنّ "الحكومة الحالية لم تضمن في موازنة عام 2019 تعويضات المتضررين ولم تخصص أيّ مستحقات أخرى للنازحين من أجل إعادتهم الى مناطقهم". وأكدت في تصريح صحافي أنّ "النازحين والمتضررين في الأنبار لم يتسلموا أيّ تعويضات من الحكومات المحلية بسبب عدم تخصيص الحكومة الاتحادية مبالغ لها من أجل التعويضات حتى اليوم، فضلاً عن الروتين القاتل في تقديم المعاملات والفساد الإداري والمالي".

تجدر الإشارة إلى أنّ العراق تلقى وعوداً بالحصول على قروض ومساعدات تقدّر بنحو 30 مليار دولار أميركي في مؤتمر الكويت الذي عقد في العام الماضي، لكنّه لم يحصل على أيّ دفعة من ذلك المبلغ الذي تعهدت نحو 40 دولة بتقديمها، من بينها دول عربية ودولية. ويعزو مراقبون ذلك إلى مخاوف تلك الدول من الفساد المستشري في البلاد.




وتؤكد منظمات من المجتمع المدني أنّ الواقع الإنساني في المدن المحررة يبعث على اليأس، فحال العائلات العائدة إلى مناطقها لا يختلف عن حالها في خلال النزوح، لكنّ الحكومة تغضّ النظر عن كل ذلك. يخبر مدير منظمة "روافد" التي تعنى بشؤون المناطق المحررة من نواح إنسانية مختلفة، الدكتور رشيد العلي، لـ"العربي الجديد"، أنّهم أجروا "جولات على المناطق المحررة في معظم المدن، ولا يوجد ما يبعث على الأمل بالعيش مستقبلاً فيها". يضيف أنّه "لا يمكن للأهالي العيش في تلك المناطق المعدومة، فهي غير صالحة للسكن في غياب أيّ خطوات حكومية للإعمار أو التعويض". ويلفت إلى أنّه "لا تتوفر إحصائية حول عدد تلك العائلات المتضررة، ونحن تواصلنا مع اللجنة المركزية لتعويض المتضررين لكنّنا لم نحصل على أيّ ردّ منها أو موعد لصرف التعويضات".