أردنيون يخشون الوصمة فيهملون الصحة النفسية

أردنيون يخشون الوصمة فيهملون الصحة النفسية

12 اغسطس 2019
الصحة النفسية مفهوم واسع كالصحة الجسدية (Getty)
+ الخط -

في الأردن، يعرقل الخوف من الوصمة الاجتماعية الإقبال على خدمات الصحة النفسية التي تُعَدّ ضرورية في أحيان كثيرة


قلّة هم الأردنيون الذين يقصدون أطباء متخصصين في الأمراض النفسية والعقلية أو معالجين نفسيين للحصول على استشارة أو لتلقّي علاج لحالة سبق أن شُخّصت لديهم، ويعود ذلك إلى أسباب عدّة تتعلّق إمّا بعدم إدراك أهمية المتابعة النفسية وإمّا بقلّة المعرفة وإمّا بالخوف من الوصمة الاجتماعية وإمّا بارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص.

يربط كثيرون من أهل الأردن، شأنهم شأن آخرين من بلدان عربية مختلفة، المتابعة النفسية باضطرابات عقلية كبيرة حصراً. هذه هي حال محمد العبادي الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من الضغوطات التي أتعرّض إليها أحياناً على خلفية ظروف اجتماعية واقتصادية، فإنّني لم أفكّر مرّة واحدة بزيارة عيادة نفسية أو طبيب نفسي". يضيف أنّ تلك المتابعة ضرورية "فقط في الحالات التي تهدَّد فيها الحياة الطبيعية لشخص ما، والتي تعوّق تواصله مع الناس والمجتمع، وليس في حال عانى المرء من مشكلات بسيطة كالحزن بسبب فراق عزيز أو خسارة مادية أو فقدان عمل". الأمر كذلك بالنسبة إلى لانا سعيد التي تقول لـ"العربي الجديد": "لم أزر في حياتي قط عيادة طبيب نفسي"، مشيرة إلى أنّ "ثمّة نظرة سلبية توجَّه إلى الذين يراجعون مثل تلك العيادات. وأنا بنت هذا المجتمع وأعرف ذلك جيداً". تضيف: "مررت في ظروف صعبة بسبب مشكلات أسرية وعانيت كثيراً، لكنّني كنت أطرد فكرة مراجعة طبيب نفسي من ذهني كلّما راودتني. فالزمن كفيل أحياناً بمداواة آثار ما نواجهه في حياتنا".




في السياق، تقول أستاذة علم النفس الإكلينيكي (العيادي) في جامعة عمّان الأهلية، الدكتورة فداء أبو الخير، لـ"العربي الجديد" إنّ "جميعنا لديه مشكلات في الصحة النفسية، بنسب متفاوتة، غير أنّ ثمّة حالات دقيقة واضطرابات عقلية توجب المتابعة. والصحة النفسية مفهوم واسع كالصحة الجسدية، والمحافظة على الصحة النفسية تعني القدرة على التكيّف مع الضغوطات ومواجهتها بطريقة مناسبة بالنسبة إلى البعض، وبالنسبة إلى آخرين متابعة العلاجات اللازمة مع أهل الاختصاص".

تضيف أبو الخير أنّ "لا إحصاءات دقيقة في الأردن عن عدد المرضى النفسيين، غير أنّنا جزء من العالم ونسبة انتشار تلك الأمراض في ذلك العالم تراوح ما بين 20 في المائة و25 في المائة"، مشيرة إلى أنّ "نسبة قليلة من المرضى تلجأ إلى أهل الاختصاص لتلقي علاج، فموضوع الصحة النفسية تابو (من المحرّمات) يخافه المجتمع". وتوضح أنّ "الوصمة الاجتماعية من أبرز أسباب عدم طلب العلاج، وكثيرون من أفراد المجتمع يخشون الإفصاح عن مراجعة اختصاصي نفسي"، مشددة على أنّ "مواجهة الوصمة الاجتماعية تحتاج إلى رفع الوعي من خلال مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة وكذلك وسائل الإعلام، إلى جانب أهمية إدخال الرعاية النفسية في أماكن العمل". وتؤكد أبو الخير أنّه "مع تغيّر نمط الحياة، صار الناس يخضعون إلى ضغوطات اقتصادية واجتماعية كبيرة"، داعية "كل من يشعر بأيّ عارض نفسي إلى مراجعة طبيب. ومن تلك الأعراض تبدّل في الشهية، واضطرابات في النوم، وتغيّر في الاهتمامات، وخوف، وتوتر دائم".

وتتابع أبو الخير أنّ "ارتفاع تكاليف العلاج النفسي في القطاع الخاص سبب آخر لعدم اللجوء إلى العلاج، فبدل الجلسة الواحدة يُقدّر بنحو 30 دولاراً أميركياً في ظل وضع اقتصادي صعب". وتلفت أبو الخير إلى "توفّر خدمات الصحة النفسية في المؤسسات الطبية الحكومية وشمول الاضطرابات النفسية بالتأمين الصحي الحكومي، لكنّ ثمّة نقصاً في المتخصصين في المستشفيات الحكومية وكذلك في الخاصة". وتكمل أبو الخير أنّ "من أبرز المشكلات التي يواجهها الأشخاص المعنيون عدم إدراكهم وعدم إدراك ذويهم كذلك بأنّهم يعانون مشكلة نفسية. وثمّة معتقدات شعبية سائدة تتحدث عن مسّ الجنّ والحسد والسحر في حالات الاضطرابات النفسية، فيلجأ الناس إلى المشعوذين وغيرهم أملاً في الخروج من تلك الحالات. لكنّ هؤلاء الذين يدّعون امتلاك الحلّ يفاقمون معاناة الأشخاص المعنيين ويتسببون في تأخير علاجهم وبالتالي تحسّن أوضاعهم".




تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة الإنفاق على الصحة النفسية في الأردن تُقدَّر بأقل من ثلاثة في المائة من مجموع الإنفاق الحكومي على الصحة، ومعظم ذلك الإنفاق أي نحو 90 في المائة منه يذهب إلى المستشفيات". وتفيد الإحصاءات الرسمية بأنّ نحو 200 ألف مراجعة (زيارة) لعيادات الطب النفسي تُسجَّل سنوياً في الأردن، وبأنّ الطبيب المتخصص في العيادات الحكومية يعاين ما بين 40 و50 حالة يومياً. كذلك ثمّة تغطية للصحة النفسية في الأردن، بأنظمة التأمين الصحي العام، وفي إمكان 70 في المائة من السكان الحصول بسهولة ومجاناً على الأدوية النفسية الأساسية، أمّا التأمين الصحي الخاص فلا يشمل في الغالب كل ما يتعلق بالصحة النفسية.

المساهمون