تلاميذ سيناء وسط المعارك

تلاميذ سيناء وسط المعارك

05 ديسمبر 2016
بين الدبابات والآليات العسكرية (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
أمضى هيثم (8 أعوام) إحدى الليالي في منزله مؤخراً، يعيش حالة خوف على أزيز أصوات الاشتباكات المسلحة ودويّها. وما إن حلّ الصباح ورفع حظر التجوال عن مدينته "الشيخ زويد" في سيناء حتى مضى إلى المدرسة. مع ذلك، استمر صوت الرصاص والاشتباكات ووصل إلى مسمعه بينما كان يتلقى درسه في فصل هُدم جزء منه. بل لم يكن من المستبعد أن يقع السقف فوق رأسه ورؤوس زملائه إذا استهدفتهم القذائف.

ربما يكون همّ هذا الطفل سهلاً حين يقارن بمعاناة تلميذ آخر اعتقل وهو ما دون السادسة عشرة من عمره أو قتل أو أصيب برصاصة أعاقته، فحال المدارس في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، بمحافظة شمال سيناء، شرق مصر، مأساوية. هناك يستبدل مشهد خروج التلاميذ وهم يلهون مع بعضهم البعض بمشهد تسوده حالة ذعر بينهم على وقع أصوات المعارك.

في آخر أيام فبراير/ شباط الماضي، وبينما كان الفتى السيناوي عبد الرحمن (16 عاماً) يهم بالخروج من حصته الأخيرة في فصله الأول الثانوي، فوجئ كما غيره من تلاميذ المدرسة بأصوات سيارات الجيش المصري تقف أمام باب المدرسة. قال حينها التلاميذ بصوت خافت: "هامرات الجيش حاصرت المدرسة". في ثوانٍ اقتحم الجنود المدرسة بصحبة بعض من يعاونهم من مدنيين، واعتقلوا عبد الرحمن دون غيره من التلاميذ. لكن ما الذي حدث بعد مرور خمسة أيام على اعتقال عبد الرحمن؟ تقول مدرّسة فصله وتدعى زهرة: "ظهر على وسائل الإعلام خبر أنّ الدولة قتلت خمسة عناصر إرهابية... الإرهابيون المزعومون كان من ضمنهم عبد الرحمن وأربعة آخرون في عمره. قُتلوا بعد تعذيب شديد وألقوا في منطقة السبخة في الشيخ زويد، بعد تغطية جثثهم بسعف النخيل".

تضيف المدرّسة لـ"العربي الجديد": "لم تنظم للفتى جنازة، بل غسلته أمه وأخته وكفنتاه ودفنتاه". لم تتمكن المدرّسة التي عانت من وضع نفسي سيئ كما بقية زملاء عبد الرحمن، من دخول فصله طوال أسبوع. كانت تبكي في الطريق إلى المدرسة. تعلق: "أهانوا الطفولة، أهانونا كمدرسين. لم يهتموا بشعورنا مع دخول ثلة من عناصر الجيش لحصارنا واعتقال أحد تلاميذنا، بينما الضرب العشوائي على المدارس من قبل الجيش يحدث في أي وقت". تتابع: "معظم التلاميذ باتوا مهجَّرين عن بيوتهم في سيناء، بينما اعتقل بعضهم في الكمائن للاشتباه في أسمائهم".


قبل عام واحد، أصيبت الفتاة نهال (15 عاماً) في قدمها برصاصة أطلقها الجيش. بقيت في بيتها تنزف ليلة كاملة حتى تمكن في اليوم التالي أحد الممرضين في الشيخ زويد من تقطيب الجرح. لكن بسبب نقص الإمكانيات والأدوات الطبية بقيت الرصاصة في جسد الفتاة، فقد كان الهدف وقف النزيف حتى يتم نقلها إلى مستشفى العريش العام واستكمال علاجها.

تقول نهال لـ"العربي الجديد": "بعد أربعة أيام من إصابتي تمكنت من الوصول إلى المستشفى العام في العريش، وبقيت هناك ثلاثة أيام حتى أخرجوا الرصاصة من قدمي". تأخّر علاج نهال تسبب في إعاقة لها. هذا الوضع أجبرها على اتخاذ قرار بترك الثانوية العامة والالتحاق بالمدارس الفنية لتخفيف حمل الدراسة.

تعرضت حياة عدد كبير من التلاميذ في رفح والشيخ زويد لخطر الموت، ومنهم من بترت أعضاؤه. كان من هؤلاء الطفل يوسف (8 أعوام) الذي تسرّب من الفصل الأول الابتدائي منذ سنتين بسبب إصابته في ظهره بطلق ناري للجيش. أما الطفل أحمد فقد قصف منزله وفقدت عائلته كلّ أوراقها الثبوتية، لذلك عندما حاول العودة إلى المدرسة وجد صعوبة في قبولها به. يقول والد أحمد لـ"العربي الجديد": "قررت الانتقال إلى مكان آخر، فوجدت أنّ ابني يعامل بكثير من التمييز. وهي مشكلة يعاني منها أطفال رفح والشيخ زويد من دون أيّ مبرر واضح لها. يُطلب منّا أموال ليس في مقدورنا تأمينها على شكل مساهمة منا للمدرسة".

من جهته، يقول أحد مدرّسي إحدى المدارس الجنوبية في الشيخ زويد لـ"العربي الجديد": "المدرّسون والمدرسات كما التلاميذ في مدارس الشيخ زويد ورفح، معرضون يومياً للموت. لا أحد يعمل من أجل حمايتهم، فمشوار ذهابنا وإيابنا من المدرسة يكون وسط إطلاق النار والاشتباكات وتفجير العبوات الناسفة". يشير إلى مقتل الطفلة ندى أبو أقرع (12 عاماً) بالرصاص أثناء خروجها من مدرستها في مدينة العريش قبل نحو أسبوعين.

ويوضح المدرّس الذي رفض الإفصاح عن اسمه أنّ ظروفاً عديدة أدت إلى تسرب أعداد ليست بالهينة من التلاميذ. فلم يعد التعليم أولوية في سيناء بل البحث عمّا يسدّ الرمق. وعدا عن دمار بعض المدارس، يضيف: "أعداد المعلمين فاقت التلاميذ في بعضها. وقد تقرر أن تجمع عدة مدارس في مدرسة واحدة بعد تسرب قسري للتلاميذ". ويشير كذلك إلى أنّ ظروف الأحداث في سيناء منعت أعداداً كبيرة من التلاميذ من متابعة تعليمهم، فهم مهددون بشكل مستمر بالتعرض للقتل أو الاعتقال أو الإصابة أو حتى الاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة. ومنهم من اضطر إلى العمل من أجل قوت عائلته بعدما فقد والده أو معيله.