"كلبي صاحبي" في الجزائر

"كلبي صاحبي" في الجزائر

20 يناير 2017
رفيق الحلّ والترحال (العربي الجديد)
+ الخط -
"الكلب" في صدارة الشتائم التي يطلقها الجزائري عند غضبه. كذلك، فالمنابر الدينية المختلفة لا تتوانى عن التنبيه من أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب. مع ذلك، لا يُنافس ولع الشباب الجزائريين برعاية الكلاب إلاّ اقتناء العصافير.

يتعالى صوت صراخ متبادل بين شاب وامرأة في أحد أزقة مدينة بودواو (38 كيلومتراً إلى الشرق من العاصمة الجزائرية). يتجمع الأهالي عند مدخل عمارة، فإذ بشاب يخرج ممسكاً بكلب من فصيلة الراعي الألمانية. يبدي الشاب غضبه وهو يقول: "هل تصدّقون أنّ أمّي طلبت مني أن أضحّي بكلبي؟ لقد بات خصمها الوحيد". اللافت في الشاب أنّه كان يتحدّث عن الكلب كما لو كان أخاه، فيستنكر طلب أمه منه أن يبيعه، فكأنّها طلبت منه أن يقتل إنساناً. واللافت أكثر أنّ مجموعة من الحاضرين كانوا شاركوه استنكاره، فيقول أحدهم: "ليس من حقها أن تحرمك من كلب رعيته بشق النفس، وبات يرافقك في خلوتك ورحلاتك".

في هذه الأثناء، تطلّ الأمّ من الشرفة وتصرخ: "هل أنا ملزمة بأن أشمّ الرائحة الكريهة في شقة لا تتجاوز 75 متراً مربعاً؟ أو ملزمة بأن يشاركني الكلب طعامي؟ كنت سأتفهم الأمر لو كان البيت واسعاً وكان وضعنا المالي مريحاً، كما أنّ هذا الكلب يشغل ابني عن واجباته، فهو لم يعد يبحث عن عمل". تضيف عبارة طويلة فتوسّع هوّة النقاش بين الحاضرين: "كان الرجال قديماً يقتنون كلاب الصيد، فكان لحم الحجل والأرانب البرية لا ينقطع من البيوت، واليوم باتوا يقتنون كلاباً هم من يقدم لها اللحم".

لم يعد مستبعداً أن تركب القطار أو المترو أو الترامواي، فيصعد أحدهم برفقة كلبه. مثل هذا الأمر يثير التذمر والاستنكار، لكنّ ذلك يقتصر على غير الشباب. ولأنّ قلة تلجأ إلى تكميم كلابها، تفادياً لعضّ المارّة، فلم يعد مستبعداً أيضاً أن يعضك كلب وأنت في عزّ غفلتك. يقول وسيم ش. وهو طالب في علوم الإعلام والاتصال: "لسنا بصدد مناقشة جدوى أن يقتني الشباب كلاباً، بل أن يلتزموا بأصول رعايتها حتى لا يؤذوا محيطهم". يتساءل: "ما معنى أن تصحب كلبك في شارع مكتظ بالناس، فيه أطفال ونساء يخافونه؟ ما معنى أن تدخله إلى وسائل النقل العام، فتختلط أنفاسه بأنفاس مستعمليها، وتعتبر ذلك من الاستعراضات المستجلبة للاهتمام؟".

ينبّه إلى أنّ اهتمام الشباب يذهب في الفترة الأخيرة إلى فصائل الكلاب العنيفة: "في السابق، كان الاهتمام مقتصراً على فصيلة الراعي الألماني، أما في السنوات الأخيرة، فقد بات ملاحظاً دخول الفصائل ذات الشكل البشع والسلوك العنيف، ما يدلّ على تصاعد جرعة العنف لدى الشبّان خصوصاً، في مقابل اقتصار الفتيات على رعاية الكلاب الصغيرة واللطيفة". يتساءل مرة أخرى: "هل هذا الفرق بين الجنسين هو ما جعل التسرّب المدرسي يمسّ الذكور بالدرجة الأولى؟".

تستبعد المحللة النفسية، وداد بورحلة، أن يكون ميل الشباب في الجزائر إلى رعاية الكلاب امتداداً لثقافة اقتناء كلاب الصيد لدى الجيل السابق، أو تقليداً للسياق الغربي، حيث يُعتبر الكلب عضواً طبيعياً في الأسرة. تراه "ثمرة لحالة الإحساس بالفراغ وغياب برنامج حقيقي يشغل الشباب". تشرح: "فتح هذا الجيل عيونه في عز هيمنة العنف والإرهاب، فقد رأى ما رأى وسمع ما سمع، من غير أن تتدخل المنظومات المعنية من أجل امتصاص جرعات العنف التي سكنت نفوس الشباب وقاموسهم وأذهانهم. وهو مؤشر على الاستقالة المعنوية التي أدّت إلى تلبية هذا الجيل حاجته إلى الدفء والحنان والعطف باقتناء الكلاب والعصافير والقطط".

في شاطئ الكيتاني، في الجزائر العاصمة، كان عبدالرؤوف يتقاسم الطعام مع كلبه من فصيلة "روتويلر" الألمانية، ويغنّي له. ومع سؤاله عن سر عمق العلاقة بينهما، يقول ساخراً: "تراجع الوفاء لدى البشر" ويردف: "بات ميل القلوب والآذان إليك مشروطاً بمدى مساهمتك المادية، حتى داخل أسرتك. المادي يتحكم في المعنوي، فأمي لا تمنحني ابتسامتها إلاّ إذا لاحظت أنني دخلت حاملاً قفة مكتظة بالسلع، وهي نفسها تعيّرني باليد المشلولة (مقولة شعبية) إذا لم أفعل ذلك... فكأنّني مسؤول عن بطالتي".

يقول عبدالرؤوف إنّه وجد في كلبه شريكاً في اللحظات الحميمة: "أستمتع بالعناية به، والحديث إليه، والجري معه، ومرافقته في نزهة، والاستقواء به في الشارع، ولفت انتباه الجميلات". يشرح: "الفتيات يعجبن بأصحاب الكلاب القوية".

ادعاء عبدالرؤوف لا تنفيه جميلة ب. وهي ممثلة مسرحية: "الأمر مماثل لإعجاب المرأة سابقاً بصاحب الحصان القوي... فالحيوان القوي يمثل قوة الرجل الذي يصحبه".

ينتقل الاستعراض بالكلاب إلى موقع "فيسبوك" أيضاً إذ تجد كثيراً من الصور الشخصية للشباب مع كلابهم. كذلك، هناك صفحات مخصصة إما لطرق تدريب الكلاب وإما لطرق تغذيتها وإما لأماكن بيعها وشرائها. يقول طالب التجارة أسامة جغيم: "سوق الكلاب في الجزائر تتحكم بأموال طائلة، على غرار سوق العصافير، وهو معطى لم تلتفت إلى دراسته المؤسسات الاقتصادية، فبقي خاضعاً لحسابات الشباب وحدهم".

دلالات