محو الأمية... مدارس بدائية في مخيم الركبان

محو الأمية... مدارس بدائية في مخيم الركبان

14 يناير 2019
تجهيزات ضعيفة (محمد عبد الله/ الأناضول)
+ الخط -

كثيرة هي المشاكل التي يعاني منها النازحون السوريون في مخيم الركبان عند الحدود الأردنية. وبينما ينشغلون أكثر بتأمين لقمة العيش في مواجهة الظروف القاسية، لا يهتمون كثيراً بتعليم أطفالهم

لم يكن السوريون يتوقعون يوماً ألا يتعدى حلمهم حاجز محو أمّية أبنائهم، وهم الذين كانوا في غالبية محافظاتهم يحتفلون في نهاية العقد الماضي بمحو الأمّية بالكامل، ففي مخيم الركبان، عند الحدود الأردنية، حيث آلاف الأطفال، يعتبر محظوظاً من يتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب من بينهم.

يخرج عبد الله عوض (9 سنوات) من منزله يومياً، حاملاً بيده ما يتوافر له من قصاصات ورق وكرتون ليدون فيها ما يتعلمه في المدرسة. يرتدي ملابس رثة، وينتعل حذاء بلا جوربين تكاد أصابع قدميه تخرج منه، في حين لا يضع على رأسه الصغير ما يمنحه بعض الدفء.

ليس بعيداً عن خيمته، يدخل عبد الله إلى غرفة طينية نشر شادر مانع للمطر كسقف لها، من مساعدات الأمم المتحدة للنازحين. هناك يتجمع خمسة عشر طفلاً، أولاداً وبنات، يجلسون على بطانية أرضاً، بينما يكتب معلم ثلاثيني، على سبورة صغيرة بعض الأحرف العربية، بانتظار أن يبدأ درسه للأطفال.




يبدو عبد الله سعيداً بما يتعلمه في هذه الغرفة، فقد أصبح يتقن كتابة اسمه وأسماء أفراد أسرته، كما أصبح يجيد إجراء بعض الحسابات البسيطة. يقول لـ"العربي الجديد": "منذ عامين أطلب من والدي أن يرسلني إلى المدرسة، لكنّ وضعنا المادي السيئ، لم يسمح لي بذلك وإن كانت المدرسة مجانية". يتابع: "لم أترك عملي في السوق، فأنا ما زلت أقف حاملاً كيساً صنعته لي والدتي، أحمل به بعض الأغراض لمن يريد مساعدة في إيصالها إلى خيمته، كما أعمل في نقل الماء، وهو ما يجعلني أجني بعض المال الذي يعين والدتي في تأمين احتياجات البيت اليومية".

والد عبد الله، الخمسيني، يعرب عن سعادته، بأنّ ولده أكثر حظاً من أخيه الأكبر منه، إذ لم تتح له الفرصة للقراءة والكتابة: "كنت قبل الحرب، أقول لزوجتي إنّ حلمي أن أعلّم الأطفال حتى يتخرجوا من الجامعة، فأنا إنسان فقير، وكنت أحلم أن أورثهم شهاداتهم الجامعية لا غير. أما اليوم فلا أعلم ما يخبئ لنا الغد إذ بالكاد أستطيع أن أحصل لهم على وجبة طعام تسدّ رمقهم".

ماجد (11 عاماً) شقيق عبد الله، يقول بحسرة لـ"العربي الجديد": "أنا لا أذهب إلى المدرسة فلديّ عمل كثير أقوم به، إذ أساعد أمي منذ الصباح في جلب الماء إلى الخيمة، وأذهب لجمع أيّ شيء قابل للاشتعال، للطبخ والتدفئة، ثم أذهب إلى العمل في السوق، ولا أعود إلى المنزل حتى الغروب". لا يخفي ماجد رغبته بالذهاب إلى المدرسة، بالرغم من مواساته لنفسه أنّه يطّلع على ما يأخذه شقيقه من دروس فيها، كما تعلّمهما والدتهما بدورها، وهكذا بات يلمّ بالأحرف وبعض العمليات الحسابية البسيطة.



تأخرت على العمل
أما ياسر مصطفى (13 عاماً) فيقف بالقرب من المدرسة يراقب الأطفال وهم يدخلون الغرفة الطينية التي يطلقون عليها اسم المدرسة. لا يخفي رغبته بالدخول مع الأطفال الذين يلقنون درساً في اللغة العربية. ومع دخوله تبدو الفرحة في عينيه إذ يراقب الأطفال يدونون في أوراقهم، ويحاول التفاعل مع المعلّم. سرعان ما انتهت الحصة الأولى، فسارع لمغادرة المكان وهو يقفز من الفرح، قائلاً: "شكراً لكم، لقد تأخرت على العمل، وسيغضب مني صاحب العمل".




من جهته، يرسل أبو محمد الحمصي، طفليه براء (8 أعوام) وثائر (6 سنوات) يومياً إلى مدرسة بالقرب من سكنهم، تعلّمهما اللغة العربية والحساب، وتحفّظهما القرآن. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المدرسة بعيدة عن خيمتنا، وبسبب الأوضاع الأمنية لا آمن عليهما أن يبتعدا عن مكان إقامتنا، كما أنّ العنف منتشر بكثرة بين الأطفال". يضيف: "كثيرون من الأطفال محرومون من التعلّم بسبب قلة المدارس والمعلمين، وفقر العائلات، إذ تفضّل العائلة أن يذهب ابنها إلى العمل أو لمساعدتها في جمع وقود الطبخ والتدفئة". يلفت إلى أنّ "عائلات كثيرة لا تعتبر التعلّم مهماً لأبنائها، إذ ليست هناك مدارس ليكملوا فيها، ناهيك عن الأمل بالوصول إلى المرحلة الجامعية والخروج من المخيم. فيكفي أن يتقن الأبناء بعض العمليات الحسابية، إذ إنّ الغالبية الساحقة تعيش على ما يصلها من مساعدات إنسانية، أو على مبالغ بخسة تصل إليها من أقاربها في الخارج".

لا إعدادية
من جانبه، يقول مسؤول التعليم في الإدارة المدنية في مخيم الركبان، أحمد الصغير، لـ"العربي الجديد" إنّ "التعليم في مخيم الركبان ليس بأفضل من غيره من الأوضاع في المخيم، بل على العكس تماماً هو في رأيي الأسوأ من بينها". يلفت إلى أنّ "علاج الواقع التعليمي في المخيم بطريقة صحيحة يحتاج الى فترة زمنية طويلة، على العكس من غيره من النواحي، فالجائع حلمه الطعام، وعندما تقدمه إليه ينتهي جوعه، والمريض تقدم إليه العلاج فيشفى، لكنّ علاج الجهل والأمية يحتاج شهوراً وربما سنوات. للأسف، واقعنا التعليمي سيئ في المخيم، فهناك عدد كبير من الأطفال، يرتاد قسم منهم مدارسنا المتواضعة في إمكانياتها وأدواتها التعليمية، كما أنّ المعلمين متطوعون لا يتقاضون أيّ مقابل، ولا دعم لهم وللمدارس من أيّ جهة بالرغم من بذلهم جهوداً كبيرة لتعليم أكبر عدد ممكن من الأطفال". يضيف: "بالرغم من هذا، ما زلنا نعمل جاهدين على التخلص من هذا المرض العضال، وهو عدم قدرة الأطفال على القراءة والكتابة، بالرغم من أنّنا في القرن الواحد والعشرين".



يتابع الصغير: "في المخيم أربع مدارس كبيرة، تضم صفوفاً من الأول الأساسي حتى السادس، ولها بناء من طين وسقف من شادر في بعضها، وخشب في بعضها الآخر، بالإضافة إلى عدد من المدارس الصغيرة التي تضمّ صفاً أو صفين أو ثلاثة، وهي عبارة عن خيمة أو غرفة طينية واحدة ترتادها مجموعة من الأطفال. يرتاد هذه المدارس التي تفتقر لجميع مقومات التعليم، أطفال من عمر 6 أعوام حتى 14 عاماً، يتلقون فيها التعليم من قراءة وحساب وغيره بما يتوافر لدى الكادر التعليمي من خبرة سابقة".

يعرب عن أسفه لاقتصار التعليم على المرحلة الابتدائية، من الصف الأول حتى السادس، إذ لا تتوفر الإمكانيات لتعليم المرحلة الإعدادية، بالرغم من وجود عدد كبير من الفتية والفتيات في هذه المرحلة العمرية. يشير إلى أنّ التلاميذ المسجلين لديهم في الإدارة، على أنهم يتلقون تعليمهم في مدارس المخيم نحو أربعة آلاف طفل، بينما يبلغ عدد الأطفال المقيمين في المخيم في الشريحة العمرية المدرسية من 6 أعوام إلى 14 عاماً، نحو 6500 طفل. أما عدد المدارس، كبيرة وصغيرة، في المخيم فهو 30 مدرسة، فيها نحو 120 معلماً". يذكر أنّ "هناك عدداً قليلاً من المعلمين يقدمون دروساً خصوصية في خيامهم، لمجموعات قليلة من الأطفال".




دعم مفقود

يقول الصغير: "حصلنا على قرطاسية خلال العام الدراسي السابق من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عبر الحدود الأردنية، ونحن موعودون بقرطاسية للموسم الدراسي الحالي عن طريق مكتب المنظمة في دمشق، إذا ما قدمت معونة للمخيم". يوضح أنّ "جلّ الاستفادة، التي يحصل عليها التلميذ، هو أن يتعلم القراءة والحساب، وأعتقد أنّ نسبة الفائدة في هذا المجال نحو 90 في المائة، إذ لا منهاج واضحاً في المدارس، ومعظم العملية التعليمية تستند إلى خبرات المعلمين أنفسهم الذين يعتمد بعضهم في تعليم التلاميذ على منهاج النظام".

يعيد الصغير سبب تسرب نسبة كبيرة من الأطفال خارج المدارس إلى "عدم اهتمام الأهل بإدخالهم من الأساس، من ناحية، وعدم توافر إمكانيات التعليم من ناحية أخرى، بالإضافة إلى عدم أخذ الموضوع بجدية وعدم الاعتراف بمدارس المخيم من أيّ جهة".




أما في خصوص الرسوم التي تتقاضاها المدارس، فيشير إلى أنّ المطلوب رسوم بسيطة جداً، وليس التلميذ مجبراً على دفعها حتى، فتجد نحو نصف التلاميذ في أيّ مدرسة لا يدفعون شيئاً، ولا ينقطع تعليمهم في المقابل. يتابع أنّ جهودهم في الحصول على دعم للعملية التعليمية، من خلال عدة مشاريع آخرها كان مشروع "التعليم من أجل مستقبل أفضل" أدت إلى "نتيجة إيجابية أخيراً عن طريق طرح خطط لدعم المدارس. لكنّ مسألة تفريغ المخيم من سكانه التي طرحت عقب الإعلان عن الانسحاب الأميركي من سورية، أوقفت تلك الخطط".

المساهمون