أحلام بسيطة

أحلام بسيطة

25 اغسطس 2018
يمضي العمر ولا تتحقق الأحلام (جعفر اشتيه/ فرانس برس)
+ الخط -


ليست كلّ الأحلام كبيرة ترتبط بالثروات واحتمالات الفوز بالجائزة الكبرى وما يجره ذلك من عيش رغيد وسفر وتحقيق أمنيات لطالما شغلت صاحب الحلم، أو ترتبط بالسلطة ومناصبها والقدرة التي تُمنح للمرء في التفوق على الآخرين، وإلى حدّ كبير في بلادنا، لاستعبادهم وجعلهم رهن إشارته. أو ذلك الحلم الذي يضع صاحبه بطلاً للعالم في شيء ما، كلعبة رياضية أو غير ذلك مما يجرّ الشهرة والمال والوجوه الحسنة.

بعض الأشخاص أحلامهم بسيطة جداً، وهم في الأصل ملائمون لهذه البلاد، أو متأقلمون معها، بكلّ ما فيها من مشاكل اجتماعية يأتي الفقر على رأسها، ليسبب هو نفسه جملة من مشاكل أخرى عديدة. هؤلاء أحلامهم "على قدّهم" لكنّ المصيبة الكبرى أنّهم لا يتمكنون من تحقيقها.

في كثير من بلداننا حروب وأزمات جوع وصحة وبيئة وتعليم مرافقة. قد يكون حلم البعض كبيراً على هذا الأساس إذا تمنى الأمن الجسدي والأمن الصحي والأمن البيئي والأمن الاجتماعي، والقدرة على تعليم أبنائه، لارتباط ذلك بما يفوق قدرته على الفعل. فهو واقع تحت تلك التأثيرات المخيفة غير قادر على شيء ما عدا البقاء على قيد الحياة إن استطاع لذلك سبيلاً.

وفي البلدان الهادئة أمنياً، لكن المبتلاة بالأزمات المعيشية، هناك في المقدمة من يحلم بالعمل فور التخرج من الجامعة من دون انتظار سنوات عديدة ينسى خلالها ما درسه أساساً، ويضطر إلى تغيير اختصاصه، ويحتال ألف حيلة قبل أن يصل إلى عمل بأدنى الشروط الوظيفية.

وبالترافق مع ذلك، وبالارتباط به، هناك من يحلم بالزواج لا أكثر. يتحول ذلك إلى حلم، خصوصاً مع المطالب التعجيزية لأهالي الفتيات، وحجتهم في ذلك تأمين مستقبل بناتهم، فلا يتزوج الشاب ولا تتزوج الفتاة، وكما حال الرضى بأيّ وظيفة في حال العمل، يُرضى بأيّ عريس/ عروس في حال العنوسة. يبقى الزواج حلماً بالنسبة للبعض، بالرغم من أنّ بعضاً آخر ندم على الزواج نفسه والإنجاب، وتمنى لو بقي عازباً، لكن، ككلّ شيء آخر لا يتعلم الإنسان إلّا من تجاربه الشخصية عادة، أو من "كيسه" كما يقول المثل اللبناني.

يتشكل حلم الهجرة تلقائياً بين الحلمين السابقين. تسأل الحالم بها: إلى أين؟ فيجيبك: إلى أيّ بلاد غير هذه المنكوبة.




هي كلّها أحلام تصبّ في قائمة الحقوق. وليس الحديث هنا عن امتيازات إضافية بل عن حقوق الإنسان الأساسية التي تنصّ عليها الشرعة الدولية. وعلى هذا الأساس، لعلّ الحلم الأبرز، لكن الأخطر والأصعب، بالنسبة إلى كثير من المواطنين العرب، هو الحلم بيوم يُعامَلون فيه كمواطنين بحق، لا كرعايا. لربما عليهم أن يشكروا الحكام أنّهم ما زالوا قادرين على الحلم خارج المعتقلات والسجون، وما زالوا معروفي محلّ الإقامة غير مختفين سنوات في زنزانة لا يخرجون منها أحياء.

المساهمون